أدركتُ أن شيئاً ما غريباً وغير مألوف أثر في سلوكي، وذلك عندما بدأت أتجول في أنحاء المنزل وعلى رأسي وعاء. ربما يكون هذا الشعور نشأ عندما صرخت بصوت عال، “أوه، كاتي بيري!” من دون أن يكون هناك أحد حولي، بينما كنت أشاهد حفل تتويج (الملك تشارلز) على هاتفي النقال. أو ربما حدث عندما بدأت أتخيل أثناء إغلاق عيني أشياء مختلفة تدور من حولي - وكانت تلك فكرة قالها لي أحد أصدقائي.
لم تكن تلك هي الخطة [لم تجر الأمور على ما يرام]. ففي الواقع - في عطلة نهاية الأسبوع تلك - كانت خطتي تقضي بتجاهل حفل التتويج الملكي تماماً، والسفر إلى إيرلندا برفقة 15 صديقة، للمشاركة في حفل “لتوديع العزوبية”. لكن الأمور أخذت منحى آخر بعد إصابتي بحمى شديدة ، وظهور نتائج غير مؤكدة لاختبارات الدم التي أجريتها، مما أدى إلى نقلي إلى المستشفى لأسباب غير معروفة تماماً. مررت بمحنة استمرت 72 ساعة، تخللها طيف من مشاعر القلق على صحتي ونوبات من الذعر والهلع والتفكير في أمور وجودية مختلفة.
نا حتى لا أحب المغنية كاتي بيري.
عندما تكون مريضاً، فإن ذلك يجعلك في أكثر حالاتك ضعفاً وحساسية من الناحيتين النفسية والجسدية. وبما أنني من الأشخاص الذين يشعرون بقلق زائد على صحتهم، فإنني لست بارعة في التعامل حتى مع أبسط أمراض البرد: حتى حال حساسية بسيطة في الأنف تجعلني أقوم بتخزين أدوية “لامسيب” Lemsip (لمعالجة البرد والإنفلونزا)، لكن تجربتي المرضية هذه المرة كانت مختلفة عن أي حال سابقة لأسباب عدة.
أبرزها أنها المرة الأولى التي أدخل فيها إلى المستشفى منذ أن كنت طفلة. والسبب الثاني هو أنني لم أصب بمثل هذه الأعراض الشديدة من قبل (ظلت حرارتي عند عتبة 39.9 درجة مئوية لمدة خمسة أيام)، أو لم يسبق أن جرى إبلاغي من قبل طبيبي بأنه يتعين علي أن أتوجه بشكل عاجل إلى قسم “الحوادث والطوارئ” A&E. أما السبب الثالث، فهو أنني عزباء.
أدرك تماماً أن هذا ربما يبدو سخيفاً. لكن في الـ29 من عمري، أجد نفسي من بين قلة في مجموعة أصدقائي الذين لم يرتبطوا بعلاقة جدية. فقد أص بح الجميع أكثر انشغالاً من أي وقت مضى، وهم يقطعون أشواطاً كبيرة في حياتهم المهنية، ويتزوجون وينجبون أطفالاً وما إلى ذلك. إنها أمور مثيرة! ومع ذلك، ربما يكون من الصعب في بعض الأحيان، معرفة الشخص الذي يمكنني الاعتماد عليه في هذه الأوقات.
بالطبع، يقوم بعض الأفراد بالاتصال وإرسال رسائل نصية للاطمئنان على صحتي، ويشاركونني بعض القصص المسلية للتخفيف عني وتحسين مزاجي، وهذا يعد مصدراً للراحة. لكن في نهاية المطاف، فإن الشخص الوحيد الذي سيكون مستعداً لبذل أقصى الجهود لمساعدتك في تجاوز أي أزمة طارئة بشكل ناضج، عادة ما يكون شريكك العاطفي أو أحد أفراد الأسرة. لا يعني ذلك أنني أحكم على أي شخص بشكل خاص، بل هو مجرد توضيح للواقع.
فالشريك سيكون ملازماً لك ويقف إلى جانبك، ويتولى رعايتك وتقديم الدعم من خلال البقاء إلى جانبك خلال الليل وتقديم الطعام لك. أقله كنتُ سأفعل ذلك لو كانت الأدوار معكوسة. ربما لا يكون من العدل دائماً توقع ذلك من صديق. فأنا محظوظة للغاية بوجود والدي وزوجته في المدينة التي أعيش فيها، وكانا متفهمين ومتعاونين عندما كنت متوعكة. لكن حتى في ذلك الوقت، قد يكون من المرهق إلقاء العبء عليهما، خصوصاً عندما يجب عليهما مواجهة حالات صحية طارئة تتعلق بهما أيضاً.
كانت الأيام الثلاثة والليالي التي أمضيتها في ذلك المستشفى في مقام جرس إنذار جدي، ليس فقط لأنني كنت بالكاد أقوى على النوم، بل لأنها جعلتني أدرك كيف تولي ثقافتنا أهميةً كبيرة لضرورة البحث عن شريك، يمكن أن يكون “النصف الآخر” لك. ففي مثل هذه المواقف، ربما يؤدي غياب الشريك إلى شعور بالنقص، وكأنك نصف شخص، وأن جزءاً صغيراً من الحياة يحمل معنى.
أقر بأن ما قلته قد لا يكون دقيقاً تماماً. وقد كتبتُ بإسهاب وناقشت مزايا العزوبية وأهمية تعلم العيش وتدبر أمورك بمفردك، بغض النظر عن وجود شريك. ومع ذلك، شعرت خلال فترة وجودي في المستشفى بأن هذه المعتقدات هي بعيدة المنال، مما يجعلني أفكر في التأثير المحتمل لمجتمع ينظر إلى الحب الأفلاطوني والرومانسي على قدم المساواة، بدلاً من إعطاء الأولوية للأخير على حساب الأول.
بغض النظر عن الجوانب الإيجابية المرتبطة بأن يكون الفرد عازباً، فمن الواضح أن المجتمع يواصل التركيز بشكل أكبر على الرومانسية والاقتران بالآخر أكثر من أي شيء آخر. ويكفي إلقاء نظرة على المنصات الشهيرة مثل “إنستغرام” لملاحظة أي من المنشورات التي تكتسب أكبر عدد من الإعجابات والاهتمام؟ إنها إعلانات الخطوبة وحفلات الزفاف والحمل والأطفال.
أود أن أوضح أنني في طور التعافي الآن. والخبر الإيجابي هو أن نتائج فحص الدم الأخيرة التي أجريتها تشير إلى تحسن على مستوى جميع مشكلاتي الصحية. ومع ذلك، فإن الأفكار التي شغلت ذهني أثناء الاستلقاء على سرير المستشفى والتي كانت تراودني بعد فترات من هذيان الأرق عند الساعة الثالثة صباحاً ما زالت تقض مضجعي.
ليس لدى الجميع والدان يمكن استدعاؤهما في حال الأزمات. وأنا في الواقع ممتنة لأنني فعلت. وفي حين أنه ليس بمستطاعي تغيير طريقة نظر المجتمع إلى الحب الرومانسي واعتباره أهم عناصر الحياة، فإنه بالتأكيد يمكنني إعادة تقييم أولوياتي الشخصية. وهذا بالضبط ما بدأت أقوم به منذ أن غادرت المستشفى.
(أوليفيا بيتر / إندبندنت)