"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

هل تريد الصين صناعة "السلام الأوروبي"؟

فارس خشّان
الثلاثاء، 21 مارس 2023

لن يألو الزعيم الصيني شي جين بينغ الذي يواصل زيارة لموسكو بدأها، أمس جهدًا إلّا ويبذله من أجل أن يصنع “السلام الصعب” بين روسيا وأوكرانيا، لأنّ الخيار الآخر الذي عليه أن يسلكه هو التورّط في هذه الحرب المتواصلة، منذ أعلن وصديقه فلاديمير بوتين ما سميّاه “شراكة بلا حدود”.

وقد وصلت استفادة الصين من الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة الى حدّها الأقصى، إذ إنّ “التنّين” الآخذ في النمو ضمِن ولاء “الدب” الآخذ بالضمور، وبات، من الآن فصاعدًا، يخشى عليه من وهن مكلف جدًا، في وقت نجح “النسر” في بسط جناحيه مجدّدًا على امتداد “القارة العجوز”.

ولن تستطيع موسكو، وفق تقييم الإستراتيجيّين، تحقيق أهدافها المعلنة في كييف، إذ إنّ الغرب يقف موحّدًا خلف أوكرانيا، وهذا يعني أنّ “العناد الروسي” لن يجرّ على حليفته إلّا استنزافًا من شأنه أن يودي بها في آخر المطاف إمّا إلى هزيمة على الطريقة الأفغانستانيّة، وهذه مسألة مكروهة، أو إلى “انتحار نووي”، وهذا أمر محظور.

ولا تريد بكين أن تغامر موسكو بهذا القدر من الخسارة، لأنّ من شأن ذلك أن يصب، في نهاية المطاف، لمصلحة الرابح الأكبر، حتى تاريخه، من الحرب الأوكرانيّة، أي الولايات المتحدة الأميركية التي تقيس شعبيّة توجّهاتها، دوريًا، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث تصوّت الأكثريّة الساحقة من دول العالم الى جانب مقترحاتها.

ولا يمكن أن تقلب الصين هذه المكاسب الأميركية من الحرب الروسيّة على أوكرانيا لمصلحتها، إلّا إذا كرّرت في أوروبا ما أنجزته في الشرق الأوسط بين المملكة العربيّة السعوديّة والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران: السلام!

ووفق الصين، فإنّ من يكسب الحرب في أوكرانيا، ليس من يفرض حلًّا عسكريًّا بات مستحيلًا، بل من ينجز سلامًا عجز عنه جميع الوسطاء.

و”صانع السلام” في أوروبا يمكنه أن يعيد خلط الأوراق، فالنزاع الأميركي-الأوروبي حول دور حلف شمال الأطلسي في بحر الصين لم يُنهه إلّا الغزو الروسي لأوكرانيا، وبطء النمو في الصين لم يتسبّب به إلّا تراجع القيمة الشرائية في أوروبا الأكثر تأثّرًا بمواجهة الغزو الروسي، وتعملق الصناعة في الولايات المتحدة الأميركية لم يكن ممكنًا لولا تأثيرات هذا الغزو، ومقارنة تايوان بأوكرانيا والتعاطي معها على هذا الأساس لم يكن ممكنًا لولا تمكين أوكرانيا على استنزاف قدرات روسيا.

وعليه، فإنّ للصين مصلحة في السعي الى وقف التخاطب العسكري في أوكرانيا، وهي، إن شاءت، تملك ما يكفي من وسائل الضغط على روسيا، فهي التي عوّضت عليها، ولو بخسارة أربعين بالمائة من المداخيل، الأسواق الأوروبيّة التي أُغلقت أبوابها في وجه، غالبيّة موادها الأوّلية.

ولا تقف الصين في مسعاها هذا وحيدة، إذ إنّ أكثريّة الدول الاوروبيّة تؤازرها في ذلك، الأمر الذي من شأنه أن يحقق مطلب روسيا بإغلاق باب حلف شمال الأطلسي على أوكرانيا إن هي ارتضت أن تفاوض على مبدأ الانسحاب الى حيث كانت قبل الرابع والعشرين من شباط (فبراير) 2021. ولكن مشكلة بكين في ذلك أنّها لم تعد تجد في فلاديمير بوتين ذاك “الإستراتيجي الحدق” بقدر ما باتت تراعي فلاديمير بوتين “المجروح” الذي لا يفكّر إلّا بالإنتصار غير آبه لا بالكلفة المباشرة وغير المباشرة، ولا بالتداعيات الآنيّة واللاحقة.

ولأنّ لا مصلحة للصين بشريك “مكسور” يعتقد كثيرون في الغرب بأنّها لن تذهب في مساعيها السلميّة الى المستوى الذي يجعلها قادرة على إنجاز التسوية المرجوة، فلا روسيا، بفضل الدور الإقتصادي الصيني، أصبحت إيران، ولا أوكرانيا، بفضل الدعم الغربي، لديها هواجس السعوديّة التنمويّة.

وعليه، حتى لو ملكت الصين كلّ الأسباب الموجبة لصناعة “السلام في أوروبا”، فإنّ أمامها طريقًا مليئة بالعوائق ولا بد من أن تسعى إلى إزالة بعضها وتنتظر أن تُنهي كوارث الحرب بعضها الآخر.

نشر في “النهار العربي”

المقال السابق
وليد جنبلاط: هناك اختلاف في وجهات النظر مع تيمور

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

"لم يسشتهد.. إنّه يُعد مفاجأة مدوية للعدو"

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية