أضافت إسرائيل منذ مدة، تكتيكًا جديدًا في ما يتعلّق بالغارات التي ينفّذها سلاحها الجوي وهو “خرق جدار الصوت”، وذلك بهدف دفع اللبنانيين إلى الضغط على حزب الله كي “لا يهاجم إسرائيل بطريقة كبيرة حتى لا تؤدي إلى حرب شاملة”، وفقًا لمسؤولين بسلاح الجو الإسرائيلي، إذ باعتقادهم أن الخوف الذي ينتاب اللبنانيين أثناء سماعهم لدوي جدار الصوت سيحرّك في نصرالله الشعور بالذنب ويجعله يعدّل في سلوكه.
فهل حقًا يساهم االشعور بالذنب في تغيير سلوك الإنسان؟
شغلت هذه الإشكالية في السلوك علماء الاجتماع الذين اعتبروا أن لوم الآخرين يمكن أن يساهم في تبنيهم سلوكيات صحيحة شرط معرفة كيفية صياغة “رسالة الملامة”. ورأوا أنه من أساسيات توجيه الرسالة هي الابتعاد قدر الإمكان عن الإساءة والإذلال للإضاءة على السلوك الخاطئ، وتقول روبين نابي، التي تدرس آليات الإقناع في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا، “بدلًا من استخدام كلمات مثل “يجب عليكم أن تقوموا بكذا، يمكن استبدالها بصيغة المتكلم أي علينا أن نقوم بكذا”، لأنها تشمل المرسل مع المتلقّي وبالتالي لا تعفيه من المسؤولية.
العار والذنب
ولأن الشعور بالذنب لا يأتي من دون الشعور بالخجل، يتجّه الشخص الملام إلى الدفاع عن نفسه بشكل عنيف، وهذا ما حصل على سبيل المثال لا الحصر مع الأشخاص الذين رفعوا بدلات إيجار بيوتهم بسبب نزوح أهل الجنوب، إذ تميّز ردّهم على الحملة الشرسة التي استهدفتهم بصفتهم أنانيين وعنصريين واستغلاليين، باحتوائه على الكثير من العنف والتهكّم والتشفّي.
وهذا ما أكدته دراسة للباحثة مونيك تيرنر حيث طلبت من ١٠٩ مشاركين قراءة ملصق يدعو إلى الفحص للكشف عن الأمراض المنقولة جنسيًا، وقد تم تقسيم المشاركين إلى مجموعتين منفصلتين، فعرضت على المجموعة الأولى ملصقًا ينقل رسالة تثير الشعور بالذنب، بينما عرضت على المجموعة الثانية ملصق يثير الشعور بالخجل. كان عنوان الملصق الأول: “ما الذي يمكن أن ينقل مرضًا جنسيًا لشريكك؟”، والإجابات الممكنة كانت: “سلوك مهمل”، “نقص في المعلومات”، “عدم إجراء الفحص”. أما الملصق الثاني فجاء بعنوان: “من هو الشخص الذي قد ينقل مرضًا جنسيًا لشريكك؟” والإجابات كانت: “شخص غير ناضج”، “شخص أناني”، “شخص غير مسؤول”، أو “شخص لم يجرِ الفحص”.
ثم طلبت الباحثة وفريقها من المشاركين إبداء رأيهم في الملصق المعروض، ونتيجة لذلك، شعر المشاركون الذين رأوا الملصق الثاني بالخجل، والتلاعب، والغضب أكثر من أولئك الذين رأوا الملصق الأول.
تقول تيرنر إن السلوكيات المقلقة قد تثير الشعور بالذنب، وأن هناك خيطًا رفيعًا بين الشعور بالذنب والشعور بالخجل، فالتركيز على بعض الصفات الشخصية الجوهرية مثل الأنانية يسبب بسهولة هذا الخجل، وفي الغالب، فإن إثارة مثل هذا الشعور ليس وسيلة فعالة للإقناع.
كيف يمكن المساهمة في تخفيف الشعور بالذنب؟
تقول تيرنر إن الرسائل لتكون مثيرة ومقنعة وفعّالة يجب أن تتضمّن خطابًا خالٍ من الهجوم ولا يشعر المتلقي بالذنب، على سبيل المثال، قد يكون من غير المناسب في التوعية حول التدخين السلبي، الطلب من الآباء التوقف عن التدخين لرعاية صحة أطفالهم، لما يسبّبه من تداعيات على صحّة المدخّن النفسيّة، قد يكون البديل الأكثر ذكاءً والأكثر فعالية، وفقًا لمونيك تيرنر تقديم خيارات ملموسة يسهل تطبيقها في الحياة اليومية مثل يمكنك التدخين في الخارج أو بعيدًا عن أطفالك، أو حاول التقليل من استهلاكك للتبغ، فالفكرة، كما تشرح، هي تقديم حل لتقليل الشعور بالذنب الذي أثارته الرسالة، لأن الهدف هو إدخال لمسة من الأمل، لأنه متى تمّ دمج الشعور بالذنب مع العاطفة الإيجابية (مثل الأمل أو الفخر)، تصبح الرسالة المثيرة للذنب أكثر تأثيرًا ويصبح الناس في موقع أقل دفاعية.
للتأكد من هذه النظرية اختبرت روبين نابي، التي تدرس آليات الإقناع في جامعة كاليفورنيا بسانتا باربرا هذه الفرضية باستخدام إعلان يثير الشعور بالذنب لدى السائقين الذين يستخدمون هواتفهم ويرسلون رسائل نصيّة أثناء القيادة مع تذكير بأن هذه الرسائل مسؤولة عن ٢٠٪ من حوادث السيارات، في هذه الدراسة التي أجريت على ٤٠٠ مشارك جرى تقسيمهم إلى أربع مجموعات، عرضت على المجموعتين الأولى والثانية ملصق بعنوان “أنت لست وحدك على الطريق!”، أما الملصق الثاني الذي عرض على المجموعة الثالثة والرابعة فاحتوى على رسالة صغيرة تتضمّن نغمة إيجابية وإرشاد لطريقة التصرف تقول: “يمكنك وضع هاتفك في وضع القيادة أو على الصامت”، مع إضافة “ان هذه الأفعال يمكن أن تنقذ الأرواح”، ونتيجة لذلك، فقد تبيّن أن نسبة التفاعل الإيجابي كانت أكبر مع المجموعة الثالثة والرابعة لما تحتويه الرسالة من لمسة أمل، فأبدوا نية أكثر حزمًا لتغيير سلوكهم، وتجنب إرسال الرسائل أثناء القيادة في المستقبل.
بناء على ما تقدّم يتضّح أن إسرائيل بتكتيكها الجديد هذا، لن تنجح في إشعار حزب الله بالذنب، وإلا لكانت شعرت هي نفسها بالذنب تجاه ما تقترفه بحق الفلسطينيين من مجازر وما تسبّبه لمواطنيها من خوف وعدم استقرار، ويبقى الثابت هو أنّ ما يحرّك الإنسان ويؤثر به هو قانون أخلاقه الداخلي الذي يفترض أن يمتلكه ليلزمه بتخفيف معاناة الآخرين طبعًا متى كان لديه القدرة على ذلك، فحبذا لو تستخدم إسرائيل أخلاقها لتصل إلى مبتغاها.