كان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أوّل من أعطى ل”سهام الشمال”- وهو اسم العملية البرية التي بدأها الجيش الإسرائيلي ضد “حزب الله” في آخر أيلول (سبتمبر)- أبعادًا سياسية لبنانية. حصل ذلك، عندما تحدث مع الرئيس الفرنسي، بعد ساعات على نشوب أزمة بينهما، على خلفية دعوة ايمانويل ماكرون، الغاضب من بدء العملية البرية الإسرائيلية ضد جنوب لبنان بالتزامن مع عدم وقف إطلاق النار في غزة، الى وقف تصدير الأسلحة الى إسرائيل.
في ذاك الاتصال قال نتنياهو لماكرون إنّ ” من شأن الإجراءات الإسرائيلية ضد حزب الله أن تخلق فرصة لتغيير الواقع في لبنان من أجل الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة بأسرها”.
كان نتنياهو، بإعطاء هذا البعد السياسي للحرب على “حزب الله”، يسعى الى إقناع ماكرون بأن يعيد النظر في موقفه، من خلال إظهار “إيجابيات” ما يقوم به الجيش الإسرائيلي على الدور الرائد لفرنسا في “بلاد الأرز”.
لم يتفاعل الرئيس الفرنسي- أقلّه في العلن- مع طرح رئيس الحكومة الإسرائيلية، ولكنّه كثف مبادراته تجاه لبنان، فوجه دعوات علنية الى ايران بأن ترفع يدها عن هذا البلد، وسرّع الإجراءات الخاصة بعقد مؤتمر دولي لمساعدته إنسانيًّا وعسكريًّا، وضرب له موعدًا في الرابع والعشرين من تشرين الأول(أكتوبر) الجاري.
ما لم يتفاعل ماكرون معه، سارع الأميركيون إلى العزف على وتره، إذ بدأت ماكينتهم الدبلوماسية تنشط على خط وجوب استثمار “إضعاف حزب الله” لمصلحة إقامة دولة قوية في لبنان. في الفهم الأميركي للواقع المشكو منه في لبنان، كما في فهم دول خليجية محورية، فإنّ قوة “حزب الله” أدخلت الدولة اللبنانية في “سبات عميق”، وتاليًا لا بد من تغيير المعادلة، حتى يعود لبنان الى ذاته.
أين اللبنانيون من ذلك؟
ليس سرًّا أنّ شرائح واسعة من اللبنانيين تتعامل، ولو بشيء من الحياء الإنساني والوطني، مع الحرب الإسرائيلية، على قاعدة أنها يمكن أن تشكل فرصة حقيقية لإحداث تغيير إيجابي في المسار البنيوي للدولة اللبنانية، إذ إنّ ما يقوله الأميركيون اليوم وما أوصله نتنياهو الى ماكرون قبيل ذلك، لا يخرج أبدًا عن أدبيات هذه الشرائح الراسخة، منذ سنوات طويلة، ولكن لم يكن ثمة من هو قادر على إيجاد أرضية صالحه له. هؤلاء اللبنانيون لم يكونوا مع تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته فحسب، بل ذهبوا أبعد من ذلك، فهم يريدون أيضا تنفيذ القرار 1559 الذي ينزع سلاح “حزب الله” أينما وجد على امتداد الجغرافيا اللبنانية، وهم أيضًا مع تنفيذ القرار 1680 الذي يطالب بترسيم الحدود اللبنانية- السورية ويمنع تهريب الأسلحة والسلع والمخدرات.
ولكنّ العثور على “زهرة” تنبثق من بين الركام، من شانه أن يرمز الى “غد أفضل”، إلّا إنّه لا يعني، بالضرورة، أنّ “الخرابة الدامية” أصبحت حديقة غنّاء. التجارب اللبنانية المتراكمة أظهرت ذلك، ولطالما تحوّلت الآمال إلى آلام، لأنّ المعادلات التي أوجدت “حزب الله” بداية وساهمت في تحويله الى قوة ساحقة، لاحقًا هي التي يجب أن تكون محور متابعة، ف”حزب الله” بالنتيجة هو عارض لحقيقة إقليمية معقدة للغاية، تقودها “الجمهورية الإسلامية في إيران”، القادرة، في حال لم يتغيّر نهجها، على إعادة استنهاض “حزب الله”، بسرعة مذهلة!
قد يكون لما أقدمت عليه إسرائيل لجهة اغتيال الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله تأثيرات على مجريات الحرب التي تخوضها، ولكنّ هذا الإغتيال لن يمر مرور الكرام في وجدان بيئة “حزب الله”، خصوصًا إذا انتهت الحرب الى نتائج تعتبرها هذه البيئة هزيمة مادية ومعنوية لها. في هذه الحال، فإنّ قدرة طهران من خلال “فيلق القدس”، إذا لم يتغيّر نهجها، على استثمار هذه “المظلومية” ستكون هائلة، مما يؤسس لإعادة الحال الى ما كانت عليه.
ولذلك، فإنّ الغد اللبناني رهن بوعي شامل لبناني وإقليمي ودولي، وقد يكون حجز الزاوية في بناء صرحه هو تقديم أدلة ساطعة لبيئة “حزب الله” بأنّ المسار الذي تمّ إدخالها فيه لم يكن ضرورة لا بد منها، بل كان كارثة لا حاجة إليها!
من يملك القدرة على تحقيق هذه النقلة الضرورية في الوعي العام اللبناني الشامل؟
للبحث …تتمة!