تقول باربرا ستريسند بنبرة أقرب إلى البوح نوعاً ما: “لم أستمتع كثيراً بحياتي… أرغب في الاستمتاع أكثر. أريد أن أركب شاحنة زوجي وأتجول من دون وجهة محددة…“.
أتفكرون بما أفكر؟ “شاحنة؟ حقاً يا باربرا، في سن الـ81؟ قد تؤذين ظهرك! ألن تضطري إلى التسلق لركوب هذه الحافلات؟“.
لكن كشخص قضى معظم حياته في سيارات الليموزين الفاخرة، ربما ما تحاول قوله حقاً هو تماماً ما يشعر به أيضاً عدد كبير من زملائي ممن تجاوزوا سن الـ60: لم تصل الأوقات الجيدة إلى نهايتها بعد. لأن العمر لا يمنعنا من السعي وراءها، إذا كنا سنستنتج عبرة ما، فهي أن التقدم في العمر يحفزنا على الاستمتاع أكثر من ذي قبل.
دعوني أخبركم بصراحة – أنا لست مولعة باستخدام كلمة “متعة” بشكل عام، فهي تستحضر صوراً غير ممتعة من ذاكرتي مثل مخيمات العطلات وبرامج الألعاب المبهرجة والأمور التافهة المبالغ فيها. يثير سؤال “أليس هذا ممتعاً؟” ردود فعل سلبية، ولا يشعرني بالمتعة أبداً.
أنا أفضل كلمة “بهجة”، وفي مرحلة لاحقة من الحياة - إذا كانت الصحة تسمح بذلك - يجد كثر منا بهجات مفرحة أكثر من أية فترة سابقة لما كنا أصغر سناً. وأولئك الذين يحافظون على روحهم المرحة أثناء تقدمهم في السن، ينيرون الطريق لبقيتنا. من المؤكد أنها ليست مصادفة أن يكون أحدث فيلم أحدث ضجة على “نتفليكس” هو “نياد” NYAD الذي يتحدث عن القصة الاستثنائية، والحقيقية لديانا نياد، التي أعلنت في عامها الـ60 أنها ستسبح في البحر لمسافة 110 أميال (177 كم) من كوبا إلى مدينة كي ويست على ساحل فلوريدا، ما فشلت في إنجازه عندما كانت في الـ28 من عمرها. لا يبدو الأمر ممتعاً على الإطلاق، لكن أتحداكم أن تشاهدوا هذا الفيلم وألا تستمتعوا ببهجة أنيت بينينغ، التي تلعب دور نياد المتحمسة، وتحظى بتشجيع زميلتها/ مدربتها المشاكسة (تجسدها جودي فوستر)، بخاصة عندما تتحدى كل التوقعات (أعتذر من إفساد القصة عليكم!) وتفعل ما لم يفعله أحد من قبل في محاولتها الخامسة وهي في سن الـ64.
تعلن في خطاب حماسي نموذجي: “عندما أمشي على ذلك الشاطئ في فلوريدا، أريد من ملايين [المتقاعدين] هؤلاء أن ينظروا إليَّ ويقولوا (لم يفت الأوان بعد، ولا يزال بوسعي أن أعيش أحلامي)… بالنسبة إلى كل واحد منا، ألا تتمحور الحياة حول تحديد خط النهاية الخاص بكل منا؟)، إنها دليل حي على أنه لا ينبغي للعمر أن يكون عائقاً أمام تحقيق الأهداف”.
غالباً ما ينسب مصطلح “عدم الالتزام بالتقدم بالعمر” إلى الممثلة بيت ديفيس، لكن تم تلخيصه أيضاً في قصيدة “تحذير” التي كتبتها جيني جوزيف عام 1961. إنها تصريح من امرأة تخطط لأن تكون فوضوية وغير تقليدية في سن الشيخوخة - على هيئة نثر أرجواني، حرفياً (يتميز النثر الأرجواني باستخدامه المفرط للصفات والاستعارات). ولدت القصيدة جمعية ريد هات (القبعة الحمراء) - وهي “مجموعة للهو النساء”، حيث تتصرف العضوات بكل حرية ومرح. ليس لديَّ شك في أنهن كن يستمتعن كثيراً.
تقرر الشاعرة أنها عندما تكبر، سترتدي اللون الأرجواني، وتجلس على الرصيف عندما تصاب بالتعب، وتتناول عينات الأطعمة والمشروبات التي تقدمها المتاجر، وتقرع أجراس الإنذار، كما أنها ستتحدى قواعد اللياقة في الأماكن العامة، وترتدي قمصاناً رديئة الذوق، وتزداد بدانة - و”تأكل ثلاثة أرطال من النقانق دفعة واحدة”.
هل هذا ممتع أم مجرد شخص عجوز مزعج يجعلك تعبر إلى الجانب الآخر من الشارع لتتجنبه؟
بدلاً من ذلك، دعونا ننظر إلى ميريام مارغوليس باعتبارها ملكة الشيوخ المتقاعدين المفاجئين، والتي تلخص الرغبة في “عدم الالتزام بالتقدم بالعمر”، لكنها أذكى من ذلك بكثير. مقطع الفيديو القصير ذو اللغة الجريئة الذي نشرته ميريام على “يوتيوب” وتستعرض فيه محتويات حقيبة يدها رائع للغاية. لقد وجدت متعة خاصة بها - ونحن نضحك معها، وليس عليها.
يخبرنا العلم أن الحياة تتبع “منحنى السعادة” - وهو انحناء على شكل حرف U، حيث نكون عالقين في أسفل المنحنى بين 40-60 من عمرنا، لكن بعد ذلك نبدأ في الصعود إلى أعلى مجدداً. هل يحدث هذا لأن مخاوفنا تكون أقل؟ يكون الاستمتاع بالأوقات الجميلة أسهل إذا كان المرء يتمتع بصحة جيدة، ومحبوباً، ولديه حساب توفير، لكن الحياة المديدة هي رحلة في طريق طويلة ومتعرجة ولا تكون مصحوبة دائماً بأصوات الضحك المجلجلة. قد يكون الاحتفاظ “بروح معنوية عالية” أمراً صعباً في بعض الأحيان، لكن إحاطة أنفسكم بأشخاص إيجابيين أمر ضروري.
غالباً ما تتحمل النساء المتقدمات في السن العبء الأكبر من الأزمات العائلية والحسرات، وإذا نظرتم إلى الطريقة التي يتم بها تصويرهن في وسائل الإعلام، قد تعتقدون أن أياً منهن لا تعرف ما معنى المتعة حتى. تظهر النساء فوق سن الـ60 إما وهن في غيبوبة أو في دار رعاية للمسنين (وفي كليهما غالباً)، أو كزوجة سابقة متهورة، أو “رئيسة شركة عائلية” متجهمة ترتدي فساتين ضيقة، أو كجدة ساذجة تحيط خصرها بمئزر المطبخ دائماً، وليست لديها أي فكرة عن كيفية استعمال التكنولوجيا.
قليلات هن من يتم تصويرهن على أنهن كبيرات في السن سعيدات وجذابات ومضحكات كاللاتي أعرفهن. لهذا السبب قررت كتابة مسلسل كوميدي عن زوجين يكبران في السن، ولكن بنظرة مرحة ومتفائلة ونعم شغوفة بالحياة. من أجل كتابة “محادثات من زواج طويل” Conversations from a Long Marriage، من بطولة جوانا لوملي وروجيه ألام ذي الصوت المخملي الذي يلعب دور زوجها المرتبط بها منذ 40 سنة، أعترف أنني استقيت القصص من حياتي وحياة أصدقائي. كتبته للمرأة التي اعتقدت أنها تجسد النموذج المثالي لحياة سعيدة في مرحلة الشيخوخة – ومن تعبر عنها بشكل أفضل من لوملي؟ أطلق العمل قبل خمس سنوات وتناغم على الفور مع مستمعي راديو 4، مما أظهر أن هناك مكاناً لكوميديا تدور أحداثها حول زوجين في السبعينيات من العمر لا يزالان يستمتعان بالموسيقى والنبيذ والحياة - ونعم، ببعضهما بعضاً.
في الوقت الحالي، حياتي مليئة بالبهجة، وربما يكون أحد أسباب ذلك هو أنني وجدت المرأة الهيبية بداخلي منذ انتقالي إلى ساحل سافولك لما بلغت منتصف الستينيات من عمري منذ أكثر من 10 سنوات. بهوائه النقي وآفاقه الواسعة، بالتأكيد أخرج شاطئ البحر الطفلة اليانعة المحبة للحياة بداخلي.
تقريباً بدأت المتعة بمجرد انتقالي إلى هنا لما بدأت أسبح كل يوم في بحر الشمال، مع مجموعة من مدمني السباحة في المياه المالحة. نشعر بالنشوة لما يسحبنا المد إلى الماء تحت أشعة الشمس عند كل شروق، وتتنوع الأحاديث الشاطئية بين قصات الشعر وهوميروس، والكريكيت، وصولاً إلى أفضل طبق كاري. وكما قال جون، أحد السباحين: “إنها حفلة كوكتيل مائية لعينة!“. إنها أيضاً دعم ورفقة، ونعم، تجلب كثيراً من البهجة.
كنت أمارس رياضة التاي تشي في أحد الأندية الرياضية، والآن أمارسها على الشاطئ. لم أذهب مطلقاً إلى مهرجان موسيقي في حياتي، ولكنني اكتشفت أن مهرجان لاتيتيود يقام في نهاية شارعنا، وفي كل عام أرتدي فستاني الصيفي الرقيق وقبعة الهيبيين وأقضي عطلة نهاية أسبوع مفعمة بالحيوية في الاستماع إلى الموسيقى الرائعة – ولا ينتابني أبداً شعور بأنني أكبر هيبية في السن في المدينة.
كان شعار جيلي الذي عاش شبابه في الستينيات هو “الانفتاح على تجارب جديدة، الاستماع إلى أفكار مختلفة، والانخراط في حياة غير تقليدية”. وصحيح أننا مع مرور الزمن، يمكن أن نجد أنفسنا نعيش اليوم بشكل مختلف. بدلاً من استكشاف تجارب جديدة والتفتح على أفكار متنوعة، قد نفضل الجلوس أمام التلفزيون والاستمتاع بلحظات من الهدوء والاسترخاء بعد نوبة من حموضة المعدة. تحمل هذه التغيرات في أسلوب حياتنا معها تحولاً عما كانت عليه في تلك الفترة. وفي حين أنني قد أذهب الآن في رحلة بحرية على متن باخرة ساغا إلى سان فرانسيسكو، بدلاً من ركوب حافلة مفعمة بالتفاؤل والاندفاع وأزين شعري بالورد كما فعلت في السابق، إلا أنني ما زلت أعيش لحظات الفرح المبهجة كل يوم.
لذا، لنعود إلى حيث بدأنا هذا المقال… قالت باربرا ستريسند في أغنية “ذكريات” Memories: “إنها الضحكة، هي ما سنتذكره، كلما تذكرنا ما كنا عليه”.
العالم مجنون ومخيف في الوقت الحالي، ونحن جميعاً في حاجة إلى العثور على الأوقات الجيدة والضحك، ونعم المتعة أينما استطعنا إليها سبيلاً، حتى لو كانت في مقعد الراكب في شاحنة صغيرة.
يبدأ بث الموسم الخامس من “محادثات من زواج طويل” للمخرجة جان إثيرنغتون، وبطولة جوانا لوملي وروجر ألام، في 22 فبراير (شباط) من عام 2024. ويمكنكم الاستماع إلى المواسم الأربعة الأولى عبر منصة “بي بي سي ساوندز”.
صدر كتاب “محادثات من زواج طويل” عن دار بروفايل بوكس للنشر، وتباع النسخة الواحدة بسعر 9.99 جنيه استرليني.
(إندبندنت)