"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

هل الطفل الوحيد نرجسي؟

كريستين نمر
الأربعاء، 29 مارس 2023

مدلّلون، أنانيّون، متسلّطون، انطوائيون ويرفضون مشاركة أيّ شيء مع أيّ شخص… هذا هو الحكم المُسبق الذي تطلقه الغالبية على الطفل الوحيد (الذي ليس له أشقّاء)، سواء كان في التفاعلات اليوميّة بين الأهل وأبنائهم الذين يحثّونهم على الإنجاب، أو بين الأصدقاء أو في الأفلام أوالروايات…

وقد آمن الكثير من علماء الأطفال بهذه النظرية وعزوا ذلك إلى عدم وجود منافس لهذا الطفل، واعتياده على الحصول على ما يريد، بما في ذلك اهتمام الأبوين الكامل به، وخوفهما عليه، وحمايتهما الزائدة له، وما قد يولّده لاحقًا هذا السلوك، للكثيرين منهم، من شعور بالاختناق، فينتفضون سعيًا وراء الاستقلالية و..الحكم الذاتي.

فهل هذا حقّا هو الواقع؟!

إنّ هذه الصّفات الذي يُنعت بها هذا الطفل ليست بجديدة، ففي وقت مبكر من عام ١٨٩٦، ظهر مقال علمي عزّز هذه الفرضيّة إذ طلب مؤلّفه، المدرّس أوجين ويليام بوهانون Eugene William Bohannon (١٨٦٥-١٩٥٥)، في جامعة كلارك في ماساتشوستس، من ٢٠٠ متطوّع، إعطاء وصف لشخصية أي طفل وحيد قد يطرأ على بالهم، لتأتي ١٩٦ إجابة مشوبة ب”الكثير من الفوضى” كما يقول إذ تمّ وصفه ب: “طاغية، نرجسيّ بلا أخ أو أخت”.

فأين الحقيقة في ذلك؟

يقول أستاذ علم النفس والتشخيص في جامعة Witten/Herdecke الألمانية البرفسور مايكل دافنر Michael Dufner في دراسة حول وصف هؤلاء الأطفال ب”الطغاة النرجسيين”: “علينا أولًا الاتفاق على معنى كلمة نرجسيّة، والتي تعني الميل إلى رؤية الذات في أفضل حالاتها مع التقليل من قيمة الآخرين، فالأشخاص النرجسيون يرون أنفسهم متفوّقين، وأكثر أهمية من أقرانهم، ويطالبون بأن يكونوا موضع إعجاب واحترام وتقدير من قبل الجميع، وإلا، سرعان ما يشعرون بالإهانة، فعادة ما يتجاهلون مشاعر وعواطف واحتياجات من حولهم، هذا ما يجعلنا نتصوّر أنّ الأطفال الذين هم وحدهم محطّ اهتمام والديهم يكونون أكثر عرضة لتطوير مثل هذه السّمات الشخصية”.

bHlcemQd 400x400

                               مايكل دافنر

وبسبب انتشار وتعميم هذه الصورة النمطيّة عن الطفل الوحيد أراد دافنر، دراستها بشكل ملموس للتحقّق من صحتها، وذلك من خلال استبيان عبر الانترنت، بحيث طلب من ٥٠٠ متطوّع تقييم “الطفل الوحيد النموذجي” مقابل آخر لديه أشقاء.

وبالفعل.. فقد وصفت غالبية المشاركين، الأطفال الوحيدين بأنّ لديهم ميلًا أكبر إلى النرجسية مقارنة بالذين لديهم أشقاء، إلا أنّ ما أثار حفيظة دافنر، هو أنّ المشاركين الذين لديهم إخوة وأخوات هم من أظهروا هذا الاعتقاد.

ثم قام دافنر في مرحلة لاحقة بتحليل درجات النرجسية لحوالي ١٨٠٠ شخص يمثلون السكان الألمان، فلم يلاحظ أيّ سمة نرجسية أعلى لدى الأطفال الوحيدين مقارنة بآخرين لديهم إخوة وأخوات إذ جاءت “القيم جميعها متطابقة تقريبًا للمجموعتين، مما يشير إلى أن توصيف الطفل الوحيد بالنرجسي هو خاطئ ”، كما يقول.

download

                       توني فالبو

علاوة على ذلك، فقد أظهرت دراسات سابقة ذات دلالات إحصائية، عدم وجود أي فرق في السلوك بين الأطفال الوحيدين وأولئك الذين لديهم أشقاء، ففي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، حلّلت عالمة النفس الاجتماعي توني فالبوToni Falbo من جامعة تكساس في أوستن، وهي أيضًا وحيدة والديها ، أكثر من ٢٠٠ حالة متشابهة، وقالت “إنّ البيانات العلميّة لا تسمح لنا باستنتاج أنّ الأشقاء لهم أيّ تأثير على سلوك الشخص”، ورأت أن هناك سمات كثيرة مشتركة بين الطفل الأول (البكر) والطفل الوحيد من حيث العلاقة القويّة مع الوالدين والطموح والثقة بالذات، لا بل اعتبرت أنّ في كثير من الحالات قد يكون للبكر مشاكل أكبر كتوجسّه من ولادة أخ أو أخت، والاهتمام المضاعف الذي يغدقه الأهل عليه في حال حصول ذلك، كي لا يشعر بمشاطرتهم الاهتمام، فينظر لهذا المولود الجديد نظرة عداء، على اعتبار أنّه هو من خلعه عن العرش”.

وسواء كان الطفل وحيدًا أم لا، فإن الذي يحدّد طبيعته الشخصيّة والسلوك الذي يتبّعه والمواقف التي يتبنّاها، هي السّمات الشخصية الخمس “The big 5” والتي تكلّمنا عنها في مقال سابق بعنوان” هل تغيير الأحوال ممكن”؟ وجلّ ما على الأهل القيام به، هو عدم المبالغة في حمايته، وعدم الانتظار منه أن يكون الأول في كلّ شيء.

المقال السابق
الربع الساعة الأخير من "ساعة" قلبت لبنان "رأساً على عقب"!
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

باسم يوسف يطلق أغنية لمحاكمة "النتن" نتنياهو

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية