إلغاء شركات الطيران العالمية رحلاتها الى لبنان، ليس خبرًا أمنيًّا، بل هو قبل أي شيء آخر حدث إنساني بامتياز تغيب آثاره المأسوية عن جميع المسؤولين- أو المفترض بهم أن يكونوا مسؤولين في لبنان.
إلغاء هذه الشركات لرحلاتها ينتج عنه أنّ آلاف اللبنانيين الذين صودف وجودهم في الخارج، عاجزون عن العودة الى بلادهم ومنازلهم وأعمالهم. هؤلاء اللبنانيون كانوا قد خرجوا، في رحلات قصيرة، في عمل، أو في مهمة، أو لسبب طبي، أو لإنجاز معاملة إدارية أو حتى للإستجمام.
جميع هؤلاء عالقون الآن في الخارج، وخطيئتهم أنّهم اختاروا، السفر على متن الشركات العالمية التي تقدم أسعارًا مقبولة بالمقارنة مع الأسعار الخيالية للشركة الوطنية التي تستغل موسم الصيف كما مواسم الأعياد، لتحقيق أرباح ضخمة على حساب اللبنانيين الراغبين بزيارة بلاد الأرز.
الآن، هؤلاء اللبنانيون عالقون في الخارج. المبالغ التي أخذوها معهم أنفقوها. الفنادق والشقق التي حجزوها تُخليهم. المخابز التي يحاولون أن يسدوا بما تنتجه من سندويشات، جوعهم باتت أكبر من قدراتهم الشرائية. الأدوية التي يحتاجون إليها لا يملكون ثمنها.
ولا أحد يقف مع هؤلاء أو حتى يفكر بهم.
غالبيتهم يساعدون أهاليهم لتمرير هذه الفترة العصيبة ماليا واقتصاديا وحياتيا في لبنان، وبالتالي ليس لديهم سند. المصارف اللبنانية في “لالا لاند”. هدرت ودائعهم ولا تقرض من هم بحاجة ماسة الى المال. والسفارات والقنصليات اللبنانية، تبكي لك إن شكوت أمامها، فهي بالكاد تتقاضى رواتب دبلوماسييها وموظفيها، على الرغم من رفع الرسوم على المعاملات باتجاه خيالي، فترجمة وثيقة ولادة وتصديقها باتت تكلف مائة دولار تقريبًا.
ماذا يمكن أن يفعل هؤلاء اللبنانيون؟ من تراه، في هذه الحالة هو المسؤول عنهم؟
لا نبالغ إن قلنا: لا أحد!
رئيس حكومة تصريف الأعمال الملياردير نجيب ميقاتي، يُمضي وقته، بعدما أمِن جانب “حزب الله” بتبرّع حكومته ب”فلس الأرملة” لصندوق دعم المقاومة، أي صندوق دعم “حزب الله”، وهو يخبرنا عن بطولاته في إقناع المجتمع الدولي بعدم التصعيد، وكأن هذا المجتمع، قبل اتصالات نجيب ميقاتي، كان ينشد التصعيد. الأميركيون والفرنسيون، في حال ذهبنا مع مرجلات نجيب ميقاتي، لم يتحركوا إلّا لأنّ رئيس حكومة لبنان “أقنعهم” بذلك. هذا النجيب، لا يعنيه هؤلاء اللبنانيين. يفكر بهم كما يفكر بنفسه وبعائلته وبأصدقائه من الأثرياء، وهؤلاء يملكون طائرات خاصة وقصورًا ومنازل فارهة ويخدمهم جيش من الطهاة ومدبري المنازل.
وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، لا وقت لديه ليفكر باللبنانيين العالقين في الخارج. يكفيه أن يضيف هؤلاء، بشحطة فكر الى مجموع المغتربين، حتى ينسى أمرهم. هو الآن مشغول بما هو أهم، أي الصلاة الى الله أن يُلهم لبنان القوي جدًا أن يخفف ضربته الإنتقامية التي ينوي “حزب الله” توجيهها الى إسرائيل.
وزير النقل علي حمية، لا تدب فيه الحميّة، إلّا عندما يرغب “حزب الله” بشيء، مثل نفيه استعمال مطار رفيق الحريري الدولي في مسائل عسكرية. اللبنانيّون العالقون بالخارج ليسوا من اختصاصه، فطالما “حزب الله” لا يكترث، هو لا يهتم!
والأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، همّه الوحيد محصور بالأضرار التي يلحقها بالإسرائيليّين الذين تأوي حكومتهم المحاربة النازحين في الفنادق والشقق المفروشة وتخصص لهم رواتب شهرية وقررت، أمس التعويض على جميع من تضررت أعمالهم الصناعية والزراعية والسياحية في شمال إسرائيل. بالنسبة لنصرالله، شعب لبنان هو تفصيل تافه لا يجوز لمقامه السامي أن يهدر وقته به، فالعالقون في الخارج بسبب حربه التي لم يفهم أحد ألفها من بائها، ليسوا في الحسبان. هؤلاء نوافل لا قيمة لها!
والناقل الوطني الحصري، أي شركة طيران الشرق الأوسط، في ظل هذا الإستخفاف الحكومي والقيادي، لا تجد نفسها مضطرة الى المبادرة، حتى يبدو أنّها، في مكان ما، تتشفى من هؤلاء الذين اختاروا الطيران على شركات عالمية بدل الطيران عليها.
تربط شركة “ميدل إيست” اتفاقيات شراكة مع غالبية الشركات الأجنبية التي ألغت رحلاتها إلى لبنان، كما هي حالها مثلًا مع شركة “إير فرانس”، ولكنّها بدل أن تطلب، رحمة باللبنانيين العالقين في الخارج تحويل من لا يمكن لهذه الشركة الفرنسية نقلهم الى لبنان، بالتواريخ المحددة، (تحويلهم) إليها، تُهمل المسألة.
إن إهمال هؤلاء اللبنانيين ليس عيبًا فحسب، بل هو عار أيضًا، لأنّ دولة تضم في مجلسها النيابي وحكومتها طرفًا بادر الى فتح الحرب وأخذ “موافقة ضمنية” بإلزام شركائه بالصمت، لا يمكنها أن تترك آلاف اللبنانيين مرميين على قارعة الدول.
عيب على الحكومة أن تؤجر قسمًا من إقليمها لمحور إقليمي وعار عليها أن تبيع الآلاف من مواطنيها بثمن تذكرة سفر!