"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

هكذا سيطرت أسماء الأسد على مفاصل النظام السوري!

نيوزاليست
الأحد، 2 أبريل 2023

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا حول الدور المتزايد للسيدة الأولى في سوريا، أسماء الأسد.

وقالت راية الجلبي في تحقيق للصحيفة، إن زيارة بشار الأسد لأبو ظبي في 19 آذار/ مارس، كانت لافتة للنظر من ناحية مرافقة زوجته أسماء له في أول زيارة لها إلى خارج سوريا منذ اندلاع الثورة السورية. فقد أكد حضورها أمرا مهما عن الطريقة التي تحولت فيها أسماء من فتاة هُمّشت إلى فتاة عنيدة تحمل مُثُلا غربية لتصبح من أقوى الأشخاص في العائلة الحاكمة الشرسة.

وتقدم أسماء نفسها للسوريين بأنها أم الشعب الحانية التي تعطف عليهم وتزور عائلات العسكريين ومرضى السرطان والعائلات المنكوبة جراء الزلزال المدمر، وعادة ما تضع على رأسها شارات مثبتة بعناية وتغطي نفسها بألبسة خيطتها زوجات الرجال الذين قُتلوا في الحرب.

وبعيدا عن الأنظار، فقد عززت أسماء مكانتها كصانعة قرار ومتربحة من اقتصاد بلد منهار، وذلك بحسب مقابلات أجرتها الصحافية مع 18 شخصا من ضمنهم مسؤولون سابقون وعمال إغاثة ورجال أعمال. فالموظفة السابقة في مصرف “جي بي مورغان” تدير مجلسا اقتصاديا سريا يعمل فيه أتباعها وشركاء لها في مجال المال والأعمال، وجمعية خيرية وسّعت من شبكة الرعاية لعائلتها وتسيطر على تدفق المساعدات الدولية إلى سوريا.

عززت أسماء مكانتها كصانعة قرار ومتربحة من اقتصاد بلد منهار، فهي تدير مجلسا اقتصاديا سريا يعمل فيه أتباعها وشركاء لها في مجال المال والأعمال

ونقلت الكاتبة عن جويل ريبيرن، الذي عمل كمبعوث خاص لوزارة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب، قوله إن أسماء ومن بداية 2020 أصبحت في مركز القوة الاقتصادية لسوريا. ويمكن اكتشاف بصماتها في عدد من قطاعات الاقتصاد، من العقارات إلى النظام البنكي والاتصالات، وإن كان هذا عبر شركات وهمية ومناطق تجارة حرة وحسابات في الخارج بأسماء المقربين منها.

كل هذا وسط اقتصاد يترنح بسبب سنوات الحرب، والديون غير المدفوعة نظرا للعقوبات، وانفجار النظام المصرفي في الجارة لبنان الذي ظل ملجأ لرجال الأعمال السوريين. وما تبقى من اقتصاد البلد تم توزيعه بين بشار وزوجته أسماء، وشقيقه ماهر الأسد. وصار اسمها اختزالا لفترة التدعيم المالي التي قام بها الزوجان والحلقة المقربة منهما.

وكما قال رجل أعمال سوري: “سوريا هي الآن أسماء”. وأشارت الكاتبة إلى نشأة أسماء (47 عاما) في لندن وما يتذكره عنها الذين يعرفونها، بأنها هادئة وجذابة، حتى عقدت قرانها على بشار في عام 2000 والذي أثار دهشة الكثيرين نظرا لأن والدها فواز الأخرس عرف عنه نقده للنظام. لكن رجل أعمال في لندن يعرفها، قال إنها كانت متعطشة للقوة.

وبعد بداية متعثرة بسبب العقبات التي وضعتها حماتها، والدة بشار، وتقييد دورها في البيت ورعاية الأطفال، بدأت بمشاريع غير مثيرة للجدل مثل الثقافة والسياحة والتعليم. وبدأت في 2007 بمؤسسة للتنمية والتي تحولت لاحقا إلى أداة مهمة للنظام أثناء الحرب. وأجرت معها مجلة “فوغ” بداية 2011 مقابلة جعلتها نموذجا للسيدة الأولى في نظام عربي، وأطلقت عليها “وردة الصحراء”.

وبحسب أندرو تابلر، الزميل في معهد واشنطن، فقد اعتقدت النخبة الدمشقية والدبلوماسيون الغربيون، أن أسماء تستطيع الحديث بعقلانية مع بشار الأسد الذي لم يكن يثير الاهتمام. واعتقد كثيرون بقدرتها على التأثير على بشار لتخفيف حدة رده على المحتجين. ولكنها اختفت أثناء الفترة التي قمع وعذب وقتل وهجر زوجها أبناء شعبه.

وظهرت من جديد في 2016 بعد استعادة الأسد السيطرة على معظم سوريا. ولم تكن عودتها مصادفة، ففي هذا الوقت، توفيت والدة بشار، واستطاعت أسماء تعزيز شعبيتها في معاقل العائلة العلوية الحاكمة، وإثارة التعاطف معها في معركتها بعد إصابتها بسرطان الثدي عام 2018. وبعدها بدأ الأسد بتسليمها بعض المهام في اقتصاد الدولة.

وفي فترة النقاهة من المرض، كان وضع الاقتصاد السوري في حالة يرثى لها، ويعاني من نقص السلع الضرورية، وقلة السيولة النقدية بسبب دعم الدولة لجهود الجيش، هذا إلى جانب الديون المتراكمة على الدولة لروسيا وإيران، وانهيار النظام المصرفي في لبنان، الذي محا ما تبقى للسوريين من أرصدة.

وبحلول 2019، فقد العملة السورية 95% من قيمتها. واضطر الأسد إلى اتخاذ إجراءات جذرية والاعتماد على النخبة التي نشأت أثناء الحرب، بموافقة من النظام ولمساعدة العائلة على زيادة ثروتها. وهي نخبة لا علاقة لها بالنخبة الدمشقية التقليدية التي كانت موالية لحافظ الأسد. كما أن أفرادها غير معروفين “معظمهم شبيحة، أشخاص ليسوا من عائلات معروفة”، وتم فرض عقوبات عليهم لاحقا لتواطئهم في تدمير اقتصاد سوريا.

ويقول جهاد يازجي، الخبير الاقتصادي، إن انقطاع النخبة هذه عن دوائر المؤسسة، جعلها معتمدة بشكل أساسي على علاقتها الشخصية مع النظام، وتحديدا ماهر الأسد.

عمليات المصادرة النظامية والتحفظ على الأرصدة، صودق عليها أثناء اجتماع للمجلس الاقتصادي السري الذي ترأسته أسماء

ويقول الخبراء إن هذه النخبة جلبت موارد مالية غير شرعية للنظام من تهريب الأسلحة والكحول والكبتاغون أو الحبوب المنشطة.

ولم تكن هذه الموارد كافية، ففي 2019، قام نظام الأسد بحملة “على طريقة المافيا” وأجبر نخبة من رجال الأعمال، على تقديم العملة الصعبة للمصرف المركزي السوري ودعم الليرة. وجرى هذا خلال اجتماع دعا النظام إليه في أيلول/سبتمبر 2019 في فندق شيراتون بدمشق. وحسب العارفين، فقد حصل النظام على مئات الملايين من الدولارات من هذه الحركة.

وأصبحت المصادرة أمرا عاما، حيث كان عمال مصلحة الضريبة، يزورون الشركات ويفرضون عليها الغرامات بتهمة التهرب الضريبي أو التخلف عن دفع الجمارك المستحقة، أو انتهاك قوانين صرف العملة. وفي بعض الأحيان، كان مدراء الشركات يُعتقلون إلى حين دفع عائلاتهم الغرامة وهي بالملايين.

وذكر رجل أعمال كيف أوقفته قوى الأمن العام الماضي في الشارع بدمشق، وطلبت منه بهدوء مرافقتها إلى مركز أمن قريب، وبقي محتجزا فيه لمدة 14 يوما، وهناك خُيّر بين دفع مبلغ بناء على ثروته، أو البقاء في السجن لأجل غير مسمى. ولم تكن هذه الأموال ترسل لمصلحة الضريبة، بل إلى حسابات منظمات خيرية أو تعود إلى عائلة الأسد.

وتقول الصحيفة إن عمليات المصادرة النظامية والتحفظ على الأرصدة، صودق عليها أثناء اجتماع للمجلس الاقتصادي السري الذي ترأسته أسماء، بحسب خبراء سوريين ومطلعين على خفايا النظام. وعلى خلاف المجالس الاقتصادية التابعة للحكومة، فهذا المجلس غير معروف خارج أبواب القصر الرئاسي، وهو الذي يقرر عمليات المصادرة والتحفظ على الأرصدة.

ولا يعرف حجم الدور الذي يلعبه بشار، ولكن العارفين يقولون إنه يعمل بالترادف مع زوجته التي تعتبر المجلس مشروعها المفضل نظرا لخبرتها المالية. وكان الضحية الكبرى لهذا المجلس هو رامي مخلوف، رجل الأعمال وابن خال الرئيس. وكان يُعرف في الماضي ببنك النظام المنبوذ، ويُعتقد أنه كان يسيطر على نصف اقتصاد سوريا قبل الحرب، لكن السلطات قامت في 2019 بنهب إمبراطوريته الواسعة، وأجبرته على تسليم أهم أصول له في البلد، ومنها شركة شام القابضة، وسيرياتل، أكبر شبكة هواتف محمولة.

وبهذه الطريقة، سيطرت عائلة بشار على أهم الأصول المالية، بما في ذلك جمعية خيرية تابعة لمخلوف. ويقول الخبراء السوريون ورجال أعمال، إن التحرك كان بأمر مباشر من أسماء، ولم يترك أثرا جيدا وسط الطائفة العلوية: “لم نعانِ كل ما عانيناه من أجل منح سوريا لامرأة سنية”، بحسب رجل أعمال تحدث بمرارة.

ووضع مخلوف تحت الإقامة الجبرية، ونقلت الصحيفة عن ستة مصادر قولها إن عائلة الأسد تراقبه. وفي الماضي، كان مخلوف بعيدا عن المساءلة أو حتى اللمس، ولكن إهانته قدمت درسا للسوريين بأن أحدا ليس بعيدا عن يد النظام. وفي ظل النظام الجديد، أصبح المقربون من عائلة بشار في كل مكان، خاصة أقارب أسماء بمن فيهم شقيق لها يدير عددا من الشركات لصالحها.

منذ بداية الحرب لم تستطع المنظمات غير الحكومية العمل بدون بناء صلة مع أسماء، وإلا خسرت المنافذ لتوصيل الدعم

ويملك ابن عم لها نسبة 30% من برنامج البطاقات الذكية للغذاء المدعم. وقال قريب: “كل عمل يجري اليوم تحصل فيه أسماء (ومن معها) على حصة”. ولكن اسم بشار وأسماء ليسا على أي من السجلات الرسمية في كل هذا.

وأشارت الصحيفة إلى الأشخاص المقربين من أسماء مثل فارس كلاس، مساعد بارز لها، ولينا كناية، مساعدة بارزة للسيدة الأولى، وفرضت عليها الخزانة الأمريكية عقوبات في 2020، ودانا بخور، مديرة مكتب السيدة الأولى، ولونا الشبل، مذيعة الجزيرة السابقة، والتي ساهمت في تشكيل صورة الأسد العامة، وهي مستشارة إعلامية للحكومة ومقربة من أسماء. وفي 2020 فرضت أمريكا عقوبات عليها وزوجها. وهناك خضر علي طاهر، صاحب أكبر شركة هواتف، وكذا يسار إبراهيم، المستشار الاقتصادي للرئيس، وهو مرتبط بعدد من الأعمال التي تشمل الاتصالات والإنشاءات والنفط.

ويقول محللون وخبراء، إن تجربة أسماء في مجال المنظمات غير الحكومية قبل الحرب، سمحت لها ببناء نظام دعم إنساني منظّم وفاسد. وقال رجل أعمال سوري إنه ومنذ بداية الحرب “لم تستطع المنظمات غير الحكومية العمل بدون بناء صلة مع أسماء”.

وعلى مدى السنين، وجدت الجماعات الإنسانية نفسها مضطرة لتنفيذ مطالب أسماء، وإلا خسرت المنافذ لتوصيل الدعم. وفي الغالب، يقيّد النظام حركة المنظمات، ويحوّل الدعم للمجتمعات المفضلة له، ويقدم الأولوية للجماعات القريبة منه.

إعداد: ابراهيم درويس، القدس العربي

المقال السابق
لم أحبّ يومًا "أحد الشعانين"!
نيوزاليست

نيوزاليست

مقالات ذات صلة

بهدف احتواء "تهاوي" حزب الله.. إيران تجهد لاستخدام لبنان وتفعّل أُمرتها على "المقاومة الإسلامية"

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية