يدرك الأردن، بعد تراكم الأدلة في فروع التحقيق التابعة لأجهزة مخابراته، أنّ النظام السوري ليس عاجزًا عن مكافحة هيمنة مافيا المخدرات على الحدود المشتركة بين البلدين، بل هو متواطئ في ذلك، على اعتبار أنّ الأرباج التي تدرها عليه هذه التجارة تخدم طبقته الحاكمة وتساعد قواته العسكريّة وتموّل الميليشيات الموالية لإيران التي تدعم بقاءه في السلطة.
وتلاحظ القيادة في المملكة الهاشميّة أنّ النظام السوري وبعد أن بدأت قواتها العسكرية والأمنية تنفيذ مخطط صارم لمحاربة مهربي المخدرات والسلاح من سوريا الى الأردن، وعبرها الى الجزيرة العربية أو الضفة الغربيّة، إنتقل هذا النظام من موقع “غير المتعاون” إلى موقع “المعرقل”، بدليل البيان الذي أصدرته، أول من أمس وزارة الخارجية السورية ضد استهداف الجيش الأردني أوكار مافيا المخدرات والسلاح، داخل الجنوب السوري.
وقد انتظر الأردن طويلًا أن يحرّك النظام السوري قواته ضد الأشخاص والمواقع التي زوّدته عمّان بمعلومات وافية عنها، ولكنّه لم يُحرّك ساكنًا، إلّا عندما سرّب الى المافيا ما هو متوافر عنها من معلومات أردنية لتحمي نفسها، وتدخل تعديلات “ناجعة” على أساليب عملها.
وقد كان لافتًا أنّ مافيا المخدرات والسلاح في سوريا، ومنذ أن ظنّ الأردن أنّه فتح باب التعاون على مصراعيه مع النظام السوري لصدّها، قد ازدادت ضراوتها وتضخمت أعمالها وعنف نهجها.
كان الأردن، في سنوات سابقة يعتقد بأنّ مشكلته وسائر الدول العربيّة مع النظام السوري تكمن في الإنغلاق عليه، ممّا يضعفه أمام سطوة “الحرس الثوري الإيراني” والتنظيمات التابعة له.
وقد سمع المسؤولون المخابراتيون الأردنيون هذا التقييم من نظرائهم السوريين كما أبلغه الرئيس السوري بشار الأسد الى وزير الخارحية الأردني أيمن الصفدي.
ويبدو أنّ الجميع صدقوا هذا التقييم، فتجندت الدبلوماسيّة الأردنية، من أجل فتح الأبواب أمام النظام السوري، ممّا أدى في وقت لاحق الى إعادته الى ما يسمّى بالحظيرة العربيّة.
ولكنّ ذلك لم يُجدِ نفعًا بل العكس هو الصحيح، إذ تفاقمت الأمور، بشكل دراماتيكي، ممّا أدخل الأردن في حرب حدوديّة حقيقيّة، أضطرته في أكثر من مناسبة الى تنفيذ غارات جوية ضد أوكار المافيات في أكثر من منطقة في جنوب سوريا الذي تشكو مجتمعاته من هيمنة المافيات عليها، وكانت قد دفعت بالسويداء ومناطق واسعة من محافظة درعا إلى التآلف في انتفاضة عارمة كان يمكن أن تصل الى نتائج مهمة لولا احتلال قطاع غزة واجهة الإهتمام وتصدر الأولوية الساحقة.
وقد أعاد الرئيس السوري بشّار الأسد، في وقت لاحق، تكرار التبريرات التي كان يع طيها قبل إعادته الى جامعة الدول العربيّة، إذ رمى مسؤوليّة هذا التلفلت، على “المؤامرة الكونية”.
وهذا يعني أنّ النظام السوري قد تراجع عن تعهداته مع الدول العربيّة عمومًا ومع الأردن خصوصًا، فهو بدل أن يقابل الإيجابية بإيجابية رد على الإيجابية بسلبية.
يؤمن النظام السوري أنّ استمراريته ليست مرهونة بالدول العربية بل بإيران والتنظيمات الموالية لها ووحدات النخبة في قواته العسكرية التي يقودها ماهر الأسد والفريق الإقتصادي الذي تشرف عليه زوجته السيدة أسماء الأسد.(وضع على القائمة السوداء للإتحاد الأوروبي).
وانطلاقًا من إيمانه هذا، فإنّ النظام السوري يستحيل أم يحرك ساكنًا ضد مصالح هذه المجموعة العسكرية- الميليشياوية- الإقتصاديّة، فهو متفق معها على تبادل الحمايات، إذ إنّ ما يؤذيها يؤذيه وما يؤذيه يؤذيها.
ويبدو، وفق ما يتم فهمه من مصادر أردنية موثوق بها، أنّ هذه المعطيات يتم إدراجها في خطة عمل جديدة، الأمر الذي من شأنه، في المقبل من الأيّام، وبعد أن تهدأ الأمور على جبهة غزة، أن ينعكس على الحراك الأردني العسكري، على الحدود وما وراء الحدود، وعلى الدبلوماسيّة الأردنية العربيّة والأوروبية والأميركية والروسيّة.