قد يكون تقرير “دايلي تلغراف” البريطانية عن صواريخ “حزب الله” في مطار رفيق الحريري الدولي، مبنيًّا على أكاذيب وشائعات وتخيّلات ومخاوف، ولكنّ التصدّي لأضراره يحتاج الى مرجعية أكثر مصداقية من الحكومة اللبنانية عمومًا ووزير الأشغال علي حمية، خصوصًا، بعدما أثبتت السلطة التنفيذية، بكل مكوّناتها، سقوطها الفظيع تحت هيمنة “حزب الله”، فالفيل فيها يصبح نملة، عندما يقطّب جبينه في وجهه، ليس الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله، بل مندوبه الى الإدارات وفيق صفا!
ولن يستطيع مراسلو وسائل الإعلام اللبنانية والعربية والدولية من الوقوف في وجه الضرر الثابت لتقرير “دايلي تلغراف” لأنّ الأبواب التي سوف تفتح أمامهم ستكون لما هو م سموح به، وسوف تشرف عليه، بالنتيجة جهات مرتبطة بحزب الله.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها مطار رفيق الحريري الدولي لاتهامات إسرائيلية، منذ انتهاء حرب تموز 2006 التي أقفلته لأسابيع طويلة، فقد سبق أن استعمل بنيامين نتنياهو، منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة، من أجل اتهام “حزب الله” بوضع مصانع لصواريخه الدقيقة في حمى المطار.
كان اتهام “بيبي” في ذاك التاريخ، قائمًا على خلفية التوتر بين لبنان وإسرائيل، بسبب النزاع على الحدود البحرية.
هذه المرة، تلاقت صحيفة “دايلي تلغراف” مع معهد “ألما” الإسرائيلي المتخصص بملف لبنان الذي جال على علاقة حزب الله بالمطار مذكرًا بمحاولة “أيرنته” رسميّا في وقت سابق بواسطة مشروع تأهيل سبق أن قدمه الوزير حمية نفسه قبل أن يتراجع عن ذلك في ضوء الضجة الكبيرة التي تحوّلت الى فضيحة مدوية.
إذن تلاقت الصحيفة البريطانية ومركز الدراسات الإستراتيجية الإسرائيلي، بهدف أساسي ومركزي: توجيه ضربة لمطار رفيق الحريري، مع بداية موسم الإصطياف في لبنان.
وموسم الإصطياف، بالنسبة للبنان، لم يعد مجرد إضافة إقتصادية، بل أصبح، منذ خريف العام 2019، عبوة “اوكسيجين”، في ضوء الإنهيار المالي والإقتصادي والإجتماعي.
يعرف الجميع أنّ مطار رفيق الحريري الدولي، في حال توسعت الحرب الحدودية الى حرب شاملة، سوف يتوقف عن العمل، مثله مثل المرافئ والمعابر، لأنّ لبنان سيتعرض لحصار جوي وبحري وبري، ولكن ما لا يعرفه إلّا قليلون أنّ إسرائيل وضعت على جدول أعمالها خطة بديلة لإلحاق أكبر أذى من لبنان، حتى من دون توسيع الحرب.
لن ترضى إسرائيل أن يموت شمالها الذي يحيا هو الآخر على الإصطياف، وينتعش لبنان، في الوقت نفسه.
خطتها واضحة: إفساد موسم الإصطياف اللبناني مقابل إفساد “حزب الله” لحياة سكان شمالها.
وضمن الخطة المدرجة، سوف يتم استهداف ما تبقى من مراكز حيوية في لبنان، بحرب المعلومات، وسوف يتم تعريض السكان للخوف. إحدى أدوات الخوف قد تتمثل في تكثيف خرق جدار الصوت على امتداد البلاد، وعلى علو منخفض.
ولا يمكن ل”حزب الله” التملّص من هذه النتائج الكارثية على الشعب اللبناني، فهو فتح الحرب، وهو حوّل العمل المقاوم الى فعل هجومي، وهو ربط لبنان بالنقاط المتفجرة، وهو الذي يرفض أن يبحث جديًّا في وقف الحرب.
لقد فتح “حزب الله” على اللبنانيين صندوق باندورا. من هذا الصندوق الذي تحدثت عنه الأساطير اليونانية خرجت على بلاد الأرز كل الشرور والموبقات.
سوف يتعرض لبنان، سواء توسعت الحرب الميدانية أم بقيت محصورة، لنتائج سيئة للغاية، تعبّر عن هشاشة كبيرة في الجبهة الداخلية التي لا يعيرها “حزب الله” أي اهتمام، على اعتبار أنّ مهمته محصورة حصرًا بالعمل العسكري، من دون اكتراث بتداعيات هذا العمل الكارثي، خصوصًا، متى جاء من خارج سياق التنسيق الكامل مع الأجهزة الحكومية والمرجعيات الدستوريّة!
“حزب الله” يبتكر المستحيل لإخافة الإسرائيليين، علّهم يضغطون على حكومتهم حتى تتراجع عن فكرة توسيع الحرب ضده- وهذه وظيفة “الهدهد” الأولى والأخيرة- ولكن يكفي إسرائيلي أن يخرج تقرير واحد عن مطار رفيق الحريري الدولي في صحيفة بريطانية حتى يشعروا أنّ الأرض تهتز تحت أقدامهم.