من موقعي المهني ككاتب سياسي، أتوقف عند كثير من الانحرافات في الشرق الأوسط والعالم، ولكن، بمجرد أن أرفق مهنتي بهويتي اللبنانية، أصاب بالإضطراب، إن شئتُ الإنتقاد.
إنّ لبنانيّتنا أضعفت مهنتنا. جعلت انتقاداتنا للآخرين بلا أي قيمة!
كيف يمكن لمن ينتمي الى بلد منهوبة ثرواته وسيادته، ومغتصبة قوانينه ودستوره، وساقطة مرجعياته ومؤسساته، ومنهارة مبادئه ومواطنيّته، أن ينتقد فرنسا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وأسبانيا وهنغاريا وبولونيا وروسيا والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وقطر وباكستان وأندونيسيا وجزر الماو ماو والموز وقصب السكر والأناناس وجوز الهند؟
طالما أصابت هذه اللبنانية مهنتي بالضعف، فالعاجز في وطنه كيف يمكنه أن “يتمرجل” على أوطان الآخرين؟ ألا يُصبح، والحال هذه، محتقرًا مثله مثل الحزبي الذي يبرر لمجموعته ارتكاباتها في وقت يرجم فيه الأفعال نفسها التي ترتكبها المجموعات الحزبية الأخرى؟
هذه التأمّلات الراسخة فيّ، عادت الى الضوء مع مقارنتي، اليوم لوضع العدالة في بلاد “المقاومة والكرامة والسيادة” التي لا تُبقي مذمة إلّا وتصبها على الولايات المتحدة الأميركية، من جهة وإدانة محكمة أميركية هانتر بايدن، إبن الرئيس الأميركي جو بايدن، بتهمة الكذب على تاجر أسلحة إشترى من عنده مسدسًا، حيث نفى أن يكون يتعاطى المخدرات، من جهة أخرى!
أمام هذا الحدث، كيف يمكن لحماة المجرمين في بلادي والساكتين عنهم والمتعاونين معهم والمؤمنين بهم أن يهاجموا الولايات المتحدة الأميركية التي يسقط الكبير فيها أمام أصغر محكمة؟
بلد “مش قادر” على رجل أمن فاسد ولا على ميليشياوي مجرم ولا على قاض منحرف ولا على إرهابي معمّم ولا على أولاد الشارع ولا على مهرب حدودي ولا على موظف مدعوم ولا على موظف منحرف ولا على “عتّال مطار”، يتحفنا، ليلًا نهارًا، بنظريات عن اليمين في أوروبا وعن الأخلاق في أميركا وعن الحريات في الخليج وعن العادات في الغربّ. بلد يزوّر انتخاباته، ويشتري الأصوات، ويسقط المواطنية في دوامة الزبائنية، ويورث المناصب والزعامات، ويرتكب المدعومون فيه السبعة ودمتها، يعتقد بأنّه يملك القدرة على تقييم الكون، مثل حال جبران باسيل، عندما شاء أن يعلّم الإدارة الأميركية كيف تدار الأوطان بلا ميزانيّات، ومثل حسن نصرالله الذي يعتقد من جيرته لحيّ السلم أنّه يملك مؤهلات إفهام الكون قواعد الإنماء والرفاهية، ومثل نجيب ميقاتي الذي تحركه ميليشيا أنّه “ملفان محلّف” في علم الدستور!