لم تكن حادثة الكحالة يوم الأربعاء الماضي الأولى و لن تكون الأخيرة و لا الأخطر . فالاعتراض على تمدد “حزب الله” في طول البلاد و عرضها ، وسلوكه السياسي و الأمني و الأهلي يدفع المراقب الى توقع مزيد من الحوادث الأمنية و النزاعات بين الحزب المذكور و مختلف البيئات اللبنانية التي ترفض هيمنته ، و الأهم انها ترفض العيش تحت سقف واحد مع حالة مسلحة شاذة يستحيل الاّ تزيد من الاحتكاكات مع البيئات المشار اليها ، الى ان يأتي يوم و تحدث كارثة كبرى في البلاد . نقول هذا الكلام بعد أيام قليلة على اغتيال مسؤول سابق في القوات اللبنانية في قرية عين إبل الحدودية في الجنوب ، بأسلوب يذكر الكثيرين بإغتيال لقمان سليم عام ٢٠٢١. و نستذكر حادثة الطيونة المؤسفة التي راح ضحيتها سبعة قتلى في سياق عملية تعطيل التحقيق في جريمة تفجير المرفأ ، وطمس القضية ، وافلات المسؤلين عنها . و لا ننسى مسلسل الاغتيالات و الغزوات من رفيق الحريري الى محمد شطح .
مختلف البيئات اللبنانية ترفض العيش تحت سقف واحد مع حالة مسلحة شاذة
لم تكن حادثة الكحالة الأولى و لن تكون الأخيرة وللأسف ستعقبها حوادث اكثر خطورة .
إن لم تتغير طبيعة “حزب الله” ويتحوّل الى حزب سياسي اجتماعي طبيعي ، مجرد من السلاح و من أي وظيفة امنية او عسكرية او مخابراتية ، او توسعية داخلا ، فلن يهدأ لبنان، و لن يعيش اللبنانيون في وطن حقيقي .
هذا واقع ، وأزمة لبنان تكمن في هذه الحالة غير السوية التي يمثلها “حزب الله” بطبيعته، وسلوكه ، والأخطر بمشروعيه الإقليمي والمحلي ، و لن تتبدد الغيوم في سماء لبنان قبل ان نرى تحوّلًا جذريًّا على مستوى هذا التنظيم الممسك بقاعدة شعبية واسعة ضمن بيئته الطائفية . وقبل ان يأتي هذا اليوم سيظل لبنان يتنقل بين نكسة و أخرى وصولًا الى كارثة كبرى. و لن يكون لنا وطن طبيعي . فلا يمكن بناء وطن بسرعتين، وبشرعيّتين ،وبمواطنيتين ،وبمرجعيّتين . و هنا نذكر الوصف الذي كان يطلقه البطريرك الراحل نصرالله بطرس صفير على واقع البلاد قائلًا انها اشبه بعربة يجرها حصانان في اتجاهين مختلفين، و بالتالي يستحيل ان تتقدم الى الامام !
لا يمكن بناء وطن بسرعتين وبشرعيّتين وبمواطنيتين و بمرجعيّتين
بناء على ما سبق ، لا تتعجبوا ان حصلت حوادث دموية أخرى ، لا تتعجبوا إن ارتفعت الأصوات أكثر في مختلف البيئات منددة بالعيش تحت سقف واحد مع مشروع “حزب الله” و البيئة الحاضنة له . هذا سيحصل، وسيتفاقم . و الصيغة اللبنانية التي يدافع عنها الكثيرون في المعسكر السيادي ، ستتعرض لأضرار كبيرة ناتجة عن سوء تصرف الحزب المشار اليه مع “الشركاء في الوطن ، وناتجة أيضا عن سوء ادارته لعلاقات بيئته مع البيئات الأخرى في البلاد ، الى حد ستتسمم معه الحياة الوطنية المشتركة لأمد طويل .
طبعًا قد لا يهتم “حزب الله” لما نحذر منه . وقد يرى أنّ من يرفعون الصوت بوجهه لا يشكلون وزنًا الى حد اثارة قلق “امني ” عليه . لكن الغضب عميق ، و متجذر ، و متصاعد . و بدلًا من ان يتراجع بعد كل حادثة أكانت في خلدة ، ام شويا ، ام الطيونة ، ا الكحالة ، ام عين إبل ، ام على المستوى السياسي كالاستحقاق الرئاسي، نراه يتوسع ويتفاقم سلوكًا، مطيحًا في طريقه حلفاءه في البيئات الأخرى أكان من خلال صناديق الاقتراع كما حصل في الانتخابات الماضية ، ام من خلال تآكل شعبية من يغطونه و يوفرون له خط دفاع ميثاقي في البلاد.
خلاصة القول اننا أمام مسار صعب و طويل ، ومطبات سياسية وأمنية متتالية .