"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

غسّان صليبي/ عندما يستأنس لبنانيّون باللهجة السوريّة في أمسياتهم وتضيق صدورهم بأولاد سوريّين يسبحون صباحاً في بركة سمير قصير

الرصد
الجمعة، 21 أبريل 2023

غسّان صليبي/ عندما يستأنس لبنانيّون باللهجة السوريّة في أمسياتهم وتضيق صدورهم بأولاد سوريّين يسبحون صباحاً في بركة سمير قصير

إنّ شعباً استقبل نحو مليوني نازح سوري، أي ما يقارب نصف عدد سكانه، وتشارك معهم أحياءه وخدماته العامة المتهالكة أصلاً، ليس شعباً عنصرياً. لكن كما تحوّل جزء كبير من شعوب أوروبا وأميركا الى اليمين العنصريّ، بفعل التحريض على العمالة المهاجرة المترافق مع أزمات معيشية، ليس مستغرباً أن تصيب هذه اللوثة البشرية قسماً كبيراً من الشعب اللبناني الذي يتخبّط اليوم بأزمة معيشية حادّة في ظلّ قلق عميق ومبرّر على المصير الشخصي والوطني، وعجز تام عن مواجهة السلطة التي تسببت بما يعاني منه، هي التي امتهنت ببراعة، قتله وسرقته وإذلاله.

لم تكن اللهجة السورية محبّبة الى قلوب الكثير من اللبنانيين، حتى قبل النزوح السوري، بل كان يطالها الاستهزاء والسخرية. وربما كان الشيء نفسه يحصل أيضاً من جانب السوريين، لكنّي لم أختبر ذلك شخصياً.

بدل أن تكون اللهجات، التي هي أحد عناصر الاختلاف الطبيعية والشائعة بين البشر، مصدر استمتاع للأذن مثلها مثل الموسيقى، تتحول في ظلّ علاقات هيمنة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية، الى مصدر “تشاوف” واستهزاء بين مواطني المحافظات المختلفة، حتى في البلد الواحد.

وتبرز هذه الظاهرة خاصة في علاقة أهل المدينة بأهل الريف.

أتساءل اليوم عن موقف اللبنانيين من اللهجة السورية، بعد أن دخلت الى بيوتهم عبر المسلسلات التلفزيونية، التركية والسورية واللبنانية. كيف لهذه اللهجة، التي أصبحت أليفة ومحببة على لسان نجوم وممثلين محبوبين، أن تتساكن لا شعورياً، مع مواقف نقيضة لدى معظم اللبنانيين الذين أصبحوا مستائين وغاضبين من وجود النازحين السوريين على أرضهم؟

ما هو تأثير هذه اللهجة، التي وإن دخلت عبر الأذنين، تتواصل مع العينين وتصل إلى المشاعر المتّصلة بأحداث المسلسلات، التي ينتظره االلبنانيون بشوق كلَّ مساء؟

لعلّ هذه اللهجة، التي أصبحت جزءاً من الأحلام الواعية عند اللبنانيين، وهم يتابعون المسلسلات، تخفف من التوتر المتصاعد بوتيرة مخيفة بين الشعبين، وتساعد بعض اللبنانيين

على النظر الى النزوح السوري، بتداعياته الديموغرافية والمذهبية والطائفية والاقتصادية، بأقلّ قدر ممكن من العنصرية، وأكبر قدر ممكن من الموضوعية، آخذين في عين الاعتبار بالطبع، مصالح شعبهم ووطنهم.

أجدني كمن يستغيث بهذه اللهجة السورية، التييستأنس بها اللبنانيون في أمسياتهم، لعلها تجعلهم يتقبّلون ببساطة أكبر، مشهد أطفال سوريين كانوا يسبحون صباحاً في البركة أمام تمثال سمير قصير، فيستعيدون قدرتهم على الفرح بفرح الأطفال، بدل أن يغرقوا في بركة العنصرية، وتعلو احتجاجاتهم، ولا يعودون يرون في مشهد سباحة الأطفال، إلّا “الفوضى والعشوائية”، وتقصير للبلدية في “حماية الممتلكات العامة.” فيما هم لا يبالون بكلّ ما يجري على بعد أمتار من البركة، أي في المجلس النيابيّ، حيث يجري التخطيط لبيع الممتلكات العامة بأبخس الأثمان، وحيث يتمّ تعطيل عمل المؤسسات الدستورية على جميع المستويات، ما يفتح الأبواب واسعاً أمام جميع أشكال”الفوضى والعشوائية”.

لا فائدة من الإشارة، الى أنّ سمير قصير مولود لأم سورية، فرمزية اغتياله الذي اتّهم به ما كان يسمّىبالنظام الأمني اللبناني- السوري، كانت غائبة كليّاً عن المشهد الذي استرعى الانتباه، واستدعى جدالاً بين منتقدين لما قام به الأطفال ومدافعين عنه.

إنّ الذين انزعجوا من مشهد الأطفال وهم يلعبون، لم ينتبهوا على الأرجح، أنّه في الصباح نفسه، كان لبنانيون يعتصمون تضامناً مع المحامي نزار صاغية، الذي استدعته نقابة المحامين الى التحقيق، محاولةً، بحجّة الحفاظ على أخلاق المهنة، أن تحدّ من حريته وحرية محامين آخرين، في الدفاع عن المظلومين في هذه البلاد، أكانوا لبنانيين أم سوريين او فلسطينيين أو من جنسيات أخرى.

فالحملات المسعورة ضدّ النازحين السوريين، وإن انطلقت من بعض الاعتبارات المحقّة، إلّا أنّ هدفها من وجهة نظر السلطة، هو غضّالنظر عن انتهاكاتها هي، لكافة الحقوق الانسانية لمواطنيها، وتوجيه غضبهم نحو النازحين السوريين. فلا يعودون يرون في حديقة سمير قصير إلّا بركة مياه، ويفضّلون البدء في صباحاتهم، بانتقاد لعب أطفال سوريين، بدل أن يبدؤوها بالاعتصام مع مواطنيهم الآخرين، ضدّ من يلعب بمصيرهم ومصير وطنهم، من خلال التضييق على الحريات العامة.

النهار

المقال السابق
بعد ٤٣ عامًا.. إدانة لبناني كندي بتفجير كنيس يهودي في باريس

الرصد

مقالات ذات صلة

هل إيران جاهزة لمواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية