لم أستسغ يومًا جبران باسيل، حتى حين حاول “أصحابنا” في “القوات اللبنانية” و”تيّار المستقبل” تصويره لنا بطلًا مقدامًا وعقلًا فذًّا وشخصية مميّزة، وطلبوا منّا أن نفرش السجاد الأحمر له، تحت طائلة “الحرد”!
طالما أثبتت لنا مراقبته أنّ هذا “السياسي المِظلّي” شخصية انتهازيّة بامتياز. تدرّب على ذلك في بيت عمّه الجنرال ميشال عون، بحيث حوّل نفسه الى “حامل خطايا العالم” حتى يتمكن “قائده” من تحقيق أحلامه الرئاسيّة والسلطوية والماديّة، بداية ويظهر منقذًا وطيّبًا ومرجعيّة، لاحقًا.
ولم نتعرّف في متابعتنا السياسيّة على شخصية مثل جبران باسيل، فهو لا يستطيع أن يُبرز نفسه إلّا إذا “مشكلها”. حتى الأمور البسيطة التي يمكن أن تمر بسلاسة يحوّلها الى مشكل وطني أو طائفي أو سياسي. فهو يتحدّى، ولو كان يحاول أن يتناول كوب الماء ليشرب!
ولكنّ ذلك لا يعني أن نصمت ونحن نرى كلّ يوم ألف خطيئة وطنية تُرتكب من أجل “قهر” جبران باسيل هذا. على سبيل المثال لا الحصر، نورد عددًا قليلًا جدًّا من الخطايا الكثيرة التي تُرتكب “نكاية” بجبران باسيل:
أوّلًا، احتضان عدد من المطرودين من “التيّار الوطني الحر”، متناسين أنّ جبران باسيل نفسه لم يعد قادرًا على تحمّل “انحرافاتهم” وإشباع نهمهم واستيعاب “نهفاتهم”.
ثانيًّا: تحويل إيلي الفرزلي الى “مرجعية وطنية” فقط لأنّه انتفض على جبران باسيل الذي رفض أن يؤمّن له مصالحه السياسيّة.
ثالثًا: اللعب مع الرئيس نبيه برّي، على اعتبار أنّه حاجة ملحّة لضرب جبران باسيل.
رابعًا: المراهنة على “حزب الله” عندما تتناقض مصالحه مع مصالح جبران باسيل.
وهذا يعني أنّ جبران باسيل تحوّل الى مصلحة استراتيجية لحلفائه السابقين والحاليّين، فمن أجل “تطويع” الأكثرية الساحقة من القوى السياسيّة، يُلهونها بمسرحيّة جلد جبران باسيل.
في المقابل، حان لجبران باسيل أن ينضج. نظرية “خالف تُعرف” يمكن أن تصح في أوّل الطريق، ولكنّها لاحقًا تت حوّل الى وبال على من يعتمدها.
لم يستوعب جبران باسيل، بعد أنّه بغرقِه في هذا النهج تحوّل الى أضحوكة وطنية سيّئة السمعة. “حزب الله” لم يعد، بعدما عرف حدود جبران باسيل، يهتم بغضبه. وخصوم جبران باسيل لم يعودوا يصدقون مواقفه، فهم يشتبهون بأنّه يفعل ما يفعله من أجل أن يعود الى موقعه الأساس، بمجرّد أن يحصل على الثمن الذي يطلبه.
هو بالنسبة لـ “جبهة المقاومة” عميل “متخفٍّ”، وهو بالنسبة للسياديين “ممانع دائم”!
يحتاج جبران باسيل الى إعادة تأهيل نفسه. إعادة التأهيل هذه حاجة وطنية لبنانية. لم نعد نكاية بجبران باسيل نتحمّل تأهيل من يجب رميهم جانبًا، كما لم تعد “القوى السياديّة”، وبسبب الحذر من انتهازيّة جبران باسيل، قادرة على عقد تفاهم – ولو على موضوع محدد وظرفي- مع “التيار الوطني الحر”!
“الثعلبة” تجوز في السياسة، ولكنّها تُصبح “كارثة” متى تحوّلت الى نهج دائم!