"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

"غريزة" التشفّي في أوجها في لبنان والشرق الأوسط.. وهذا هو تفسير علماء النفس والمجتمع لها!

كريستين نمر
الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024

"غريزة" التشفّي في أوجها في لبنان والشرق الأوسط.. وهذا هو تفسير علماء النفس والمجتمع لها!

تطرح الأحداث المأساوية المتلاحقة في لبنان وإسرائيل وفلسطين والشرق الأوسط والعالم، إشكالية “التشفّي”، إذ إنّ الكثيرين يعربون عن سعادتهم بما ألمّ بالآخرين من ويلات أو ما يعترضهم من مصاعب. وأخذ هذا الموضوع أهمية قصوى في الأيام القليلة الماضية، في ضوء الخسائر الضخمة التي لحقت بمقاتلي حزب الله ومدنييه، غداة تفجير إسرائيل (على الأرجح) لأجهزة “البايجر” و”توكي ووكي” التي تمّ توزيعها عليهم، كبديل عن الهواتف الخلوية.

وظاهرة التشفّي قد تكون واكبت الإنسان منذ وُجد، ولم يمر عصر إلا وتمّت دراستها ومناقشتها.

وفي عصرنا الحديث بدأ علماء النفس والاجتماع يطلقون عليها لفظة ألمانية، وهي “شادن فرويد”. لفظة تجمع بين كلمتين: “شادن” أي الحزن و”فرويد” أي السعادة. عبارة تعني: الاستمتاع بمأسي الآخرين!

وهذه اللفظة الألمانية التي جرى اعتمادها في القاموس العلمي، قد تكون الأمثل لتلتقي مع المثل الياباني القديم جدًا: ” مصائب الآخرين لها طعم العسل”.

وكان الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، في القرن التاسع عشر، يعتقد أن “مشاهدة الآخرين يعانون يُشعر المرء بالراحة”.

إذن، هذا التمتع بمصائب الآخرين موجود منذ وجد الإنسان، ولكن أهميته تختلف بناءً على مدى انتشار العواطف التي تدفع الأشخاص إلى الشعور به”، تشرح سيلفيا مونتيغليو، أستاذة بجامعة جونز هوبكنز ومحاضِرة متخصصة في “التمتّع بمآسي الآخرين”.

وغالبًا ما تنبع هذه العاطفة “السلبية” من الشعور بالظلم، أو الغيرة، أو الإعتقاد ب”أحقية” المصيبة التي ألمت بشخص أو بمجموعة “قاهرة” أو “مستكبرة” أو “ظالمة” أو “مجرمة”. الأمثلة الحديثة على ذلك كثيرة، سواء في العالم أو في الشرق الأوسط، وهي تشمل ظواهر عدة تبدأ على المستوى الشخصي، في البيت أو في العمل مثلًا وتمر بالظواهر الاجتماعية كنائبة حلّت بدولة قوية أو بثري أو بمجموعة تؤمن بما لا تؤمن به المجموعة الأخرى( فرح معارضي لقاحات كورونا بوفاة شخص ملقح، مثلًا).

ولا نخرج ظاهرة “التشفي” ب”حزب الله” بعد موجتى التفجيرات اللاسلكية. فهؤلاء الذين رفعوا الصوت معربين عن “سعادتهم بمأساته” ينتمون في غالبيتهم الى فئات تعتقد بأن حزب الله “قاتل” و”ظالم” و”قمعي” و”تدميري” ويقف وراء مصائب كثيرة ألمت بخصومه. غالبية من “تشفوا” برروا عواطفهم بما سبق للفئات المؤيدة ل”حزب الله” أن مارسته بالتشفي، كالإعراب مثلا عن سعادتها عند حصول أي عملية اغتيال تستهدف المعارضين وترقب أي خلل للتنمر عليهم.

دور “السوشيل ميديا”!

يشرح كولن ليتش، عالم النفس في جامعة كولومبيا ومؤلف دراسات حول “التمتّع بمآسي الآخرين”، إن “المتعة التي نشعر بها تجاه مصائب الآخرين تزداد قوة عندما لا نحب الشخص”، مؤكدًا “أن وسائل التواصل الاجتماعي تعزّز هذه المشاعر السلبية”.

في الواقع، قد تشجع وسائل التواصل الاجتماعي على المقارنات والغيرة، فهما بمثابة الغذاء الأساسي لهذا النوع من التشفّي، إذ إنّ الأشخاص الذين يستخدمون هذه المنّصات لمراقبة الاخرين ولإطلاق الشائعات هم أكثر شماتة بمآسي الغير.

وغالبًا ما تسعى الانقسامات السياسية إلى استغلال هذه الظاهرة للتأثير على أيديولوجيات المواطنين حتى داخل الصفّ الواحد، وهذا ما بيّنته الدراسات إذ رأت أنه قد يكون أكثر إرضاءً للمرء أن يرى الضرر في مجموعة خارجية على النجاح في الفريق الذي ينتمي إليه.

شعور يجب محاربته

إلى جانب تفاقم الانقسامات المتزايدة في المجتمع، غالبًا ما تضر ظاهرة “التمتّع بمصائب الغير” بحاملها، فقد وصفها الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور ذات مرة بأنها “علامة مؤكدة على أن الشخص يحمل في قلبه شرّ مطلق”.

وفقًا لـ كولن ليتش، ” تحمل هذه الظاهرة في جوهرها، ازدراء قاسيا لإنسانية الآخرين، وللتغلب عليها، من الضروري أن نضع أنفسنا مكان الشخص الآخر، فأكثر رد فعل لطيف تجاه مصائب الآخرين هو التعاطف، الذي يمكن أن ينبع بدوره من الشعور بالرحمة.

وتبقى المشكلة الحقيقية هي عندما نفرح بمآسي الآخرين من دون أن نعرف السبب، لأننا بذلك نكون قد فقدنا انسانيتنا وتحوّلنا إلى وحوش بشرية، ويقول ليتش: إن “هذه العاطفة غالبًا ما تكون ناتجة عن شعور شخصي بعدم الكفاءة، ولذلك قد يكون من المفيد عدم ربط المشاعر التي نشعر بها تجاه أنفسنا بردود أفعالنا تجاه مآسي الآخرين، أما إذا تعذّر علينا ذلك، فلنحاول على الأقل أن نحتفظ بالفرح لأنفسنا”.

المقال السابق
غالانت يعلن عن خطط جاهزة في أحدث مناورة تحاكي الحرب البريّة على لبنان
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

ميركل في مذكراتها: ترامب "مفتون" بالقادة السلطويين

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية