اسرار شبارو
تشهد المناطق الحاضنة لحزب الله في لبنان، غضبا متصاعداً بسبب تأخر دفع التعويضات عن الأضرار التي خلفتها الحرب الأخيرة.
ويعاني العديد من السكان الذين تعرضت منازلهم للتدمير جزئياً أو كلياً من بطء الإجراءات المتعلقة بإعادة الإعمار، إضافة إلى تأخر استجابة الحزب لتقديم التعويضات اللازمة لترميم المنازل أو تعويض الأثاث المتضرر.
وفي هذا السياق، يقول مهدي، أحد المتضررين من سكان الضاحية الجنوبية “وعدنا بالمساعدة فور انتهاء الحرب، ولكن مرّ شهر على وقف إطلاق النار ولم نحصل سوى على وعود فارغة”.
ويوضح وفق “الحرة” أن حزب الله قام بمسح الأضرار في منزله طالباً منه القيام بالإصلاحات ثم تقديم الفواتير لتسديد التكاليف له، ويقول “استدنت المال للقيام بذلك، لأنني صرفت كل ما أملك أثناء نزوحي والعائلة بسبب الحرب، من بدل إيجار منزل ومصاريف في ظل توقف أعمالنا.”
أما بالنسبة لمنزله في بلدة عيترون الحدودية، التي لا يزال الإسرائيليون يسيطرون عليها، فيشير مهدي إلى أن حزب الله طلب منهم تعبئة نموذج إلكتروني يحتوي على تفاصيل الأضرار. لكن بسبب صعوبة الوصول إلى المنطقة، لم يتضح بعد حجم الأضرار أي ما إذا كان المنزل قد دُمّر بالكامل أو جزئياً. ويؤكد قائلاً “حتى الآن، كل ما حصلنا عليه من حزب الله هو مجرد تسجيل للمعلومات المتعلقة بالأضرار، ولا توجد أي تعويضات ملموسة.”
في هذا السياق، أثار تصريح الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، بشأن إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب الأخيرة، في 14 كانون الاول استياء العديد من المتضررين، إذ قال إن “إعادة الإعمار مسؤولية الدولة” داعيا “الأشقاء العرب والدول الصديقة في المساعدة في إعادة الاعمار”، يأتي هذا في وقت تعاني فيه الدولة اللبنانية من أزمة اقتصادية خانقة، تحول دون قدرتها على تحمل أعباء إعادة الإعمار.
وتداولت أنباء عن توجه بعض المتضررين من الحرب إلى رفع دعاوى قضائية ضد حزب الله أمام النيابات العامة المختصة، بتهمة تخزين أسلحة تحت المباني السكنية دون علمهم، مما أدى إلى استهداف منازلهم وأرزاقهم من قبل الجيش الإسرائيلي، ويهدف المتضررون من هذه الدعاوى إلى محاسبة المسؤولين عن الأضرار التي لحقت بهم، والحصول على تعويضات عادلة تساهم في إعادة بناء حياتهم.
تحديات داخلية وخارجية
وعد قاسم، بتقديم تعويضات للمتضررين من الحرب، بقيمة 8000 دولار كبدل أثاث للمنازل المدمرة كلياً، وفي حال كان صاحب المنزل يسكن في بيروت أو الضاحية، يحصل على 6000 دولار كإيجار لمدة سنة، بينما يحصل من يسكن خارج بيروت على 4000 دولار. بذلك، يتلقى المتضررون في بيروت والضاحية 14,000 دولار، بينما يحصل سكان المناطق الأخرى على 12,000 دولار، كما أشار قاسم إلى وجود تفاصيل أخرى متعلقة بالهدم الجزئي وفقدان الأثاث، سيتم نشرها على موقع إلكتروني وعبر اللجان المتخصصة المنتشرة في المناطق.
“قد يقوم حزب الله بتعويض الخسائر المباشرة الناجمة عن الحرب الحالية، مثل الأضرار التي لحقت بالوحدات السكنية والمؤسسات التجارية والسيارات، بالإضافة إلى الأراضي الزراعية والبساتين”، كما يرى الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، أما بالنسبة لإصلاح البنية التحتية، بما في ذلك شبكات المياه والكهرباء ومحطات الاتصالات والطرق والجسور، “فيترك الحزب مسؤولية إصلاحها للدولة”.
وتصل الأضرار المباشرة في أسوأ السيناريوهات، وفق أبو شقرا، إلى “ما بين 7 و8 مليارات دولار”، لكن كما يقول “ميزانية حزب الله السنوية، التي تمولها إيران، لا تتجاوز المليار دولار، هذه الفجوة المالية تجعل من المستحيل على الحزب تغطية التعويضات المطلوبة، خصوصاً أنها لا تقتصر على إعادة إعمار المباني، بل تشمل دعم الأفراد الذين فقدوا منازلهم ووظائفهم ومصادر رزقهم، إلى جانب تأثيث المنازل وتأمين احتياجاتها الأساسية”.
لكن الباحث والكاتب السياسي الدك تور مكرم رباح يرى أن “حزب الله وإيران لم ولن يساهما في إعادة إعمار ما دمرته الحرب”، معتبراً ما تقدمه إيران من أموال هو بمثابة “رشوة سياسية” تهدف إلى “استدراج تمويل من المجتمع الدولي ودول الخليج، وهي مساعٍ محكوم عليها بالفشل”.
ويؤكد رباح أن الحرب الأخيرة عززت الاتهامات القديمة لحزب الله، المصنف إرهابيا بالولايات المتحدة، باعتباره “عصابة مسلحة”، مشيراً إلى أن “الأموال المخصصة لدعمه تستغل داخل دوائر محددة في الحزب، دون أن تصل إلى قاعدته الشعبية أو للطائفة الشيعية”.
ويشدد على أنه “لا يمكن الحديث عن إعادة إعمار حقيقية دون نزع سلاح حزب الله بشكل واضح، وهو أمر تدركه كافة الأطراف اللبنانية، بما في ذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله نفسه، حيث سبق أن وافقا على قرار نزع السلاح ضمن إطار القرار 1701”.
على الجانب الآخر، تواجه الدولة اللبنانية أزمة مالية حادة، إذ يبلغ إجمالي احتياطاتها في مصرف لبنان وفق أبو شقرا “نحو 6 مليارات دولار فقط، منها 600 مليون دولار بالعملة الصعبة. استخدام هذه الأموال لإعادة الإعمار سيزيد من الضغط على سعر صرف الليرة، مما يعمّق الأزمة الاقتصادية ويضعف قدرة السلطة السياسية على تلبية احتياجاتها الأساسية، مثل الرواتب والنفقات الصحية”.
ويرى أبو شقرا أن “لبنان ينتظر المساعدات الخارجية لتغطية تكاليف التعويض وإعادة الإعمار، من دون أي بوادر جدية للدعم الدولي حتى الآن، فالدول المانحة لم تبدِ استعدادها للمساهمة بسبب استمرار الحرب بشكل أو بآخر، بالإضافة إلى انعدام الثقة في السلطة اللبنانية الحالية”.
ويؤكد أن المساعدات الدولية مشروطة “بتحقيق الاستقرار السياسي وتنفيذ إصلاحات هيكلية، تشمل مكافحة الفساد، تعزيز الحوكمة، وضمان الشفافية في إدارة الأموال. هذه الشروط تجعل المساعدات الدولية بعيدة المنال في الوقت الراهن”.
ويستحضر الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، التجربة اللبنانية بعد حرب يوليو 2006، حيث شهدت تلك الفترة “دعماً دولياً سريعاً شمل مساعدات مالية كبيرة من دول مثل قطر والسعودية والكويت، ما ساهم في تعافي البلاد بسرعة. إلا أن الأزمة الحالية تبدو مختلفة بسبب تعقيدات المشهد السياسي واستمرار التوترات العسكرية”.
تداعيات اجتماعية خطيرة
وعبّر عدد من المواطنين عن استيائهم من قيمة التعويضات المقدمة لهم لإصلاح منازلهم المتضررة، معتبرين أن هناك غبن في التسعير. ومن بين هؤلاء، محمد حركة، الذي أعلن عبر صفحته على “فيسبوك” رفضه توقيع واستلام شيك بقيمة 414 دولاراً كتعويض عن الأضرار التي لحقت بمنزله.
وكتب حركة “عم تتخايلوا بيت 5 غرف متضرر من الخارج والداخل تقدرت قيمة الأضرار بـ414 دولار؟!”، وأكد عزمه التقدم باعتراض لإعادة تقييم حجم الأضرار.
وفي منشور عبر صفحتها على “فيسبوك”، عبّرت أمنية سبيتي عن استيائها من خطابات التخوين والتنظير التي يتعرض لها المتضررون من الحرب الأخيرة، الذين يطالبون بتعويضات.
وقالت سبيتي “يا ليت كل من يعيش في منزله مرتاحاً، مكملًا حياته بشكل طبيعي، ولم يخسر منزله أو عمله، ألا يعطينا محاضرات في الوطنية أو في كيفية الصبر والتحمل. نحن نطالب بتعويضات لأن هذا حقنا الطبيعي، تماماً كما لو أنتم خسرتم شيئاً بسيطاً من ممتلكاتكم، لقمتم بإقلاق الناس بشعار فداء للسيد”.
وأضافت “خففوا من التنظير والتخوين على وجع الآخرين. وإن كان الأمر كذلك، فكل من يجلس مرتاحاً في منزله يصبح خائناً لمجرد أنه يعبر عن سعادته، بينما غيره لم يتمكن من العودة إلى منزله. والخائن أيضاً هو كل من يتصور أمام ممتلكاتنا المدمرة ليصنع ترنداً”.
وختمت “كل شخص موجوع يحق له أن يعبر عن ألمه كما يريد، ولا يحق لأحد أن يقيم أو يحكم كيف يعبّر الآخرون عن وجعهم”.
ستخلق أزمة التعويضات “مشاكل اجتماعية كبيرة، بسبب عجز العديد من العائلات عن العودة إلى منازلها واضطرارها للعيش في مناطق بعيدة عن أماكن عملها ومدارس أبنائها”، وفق أبو شقرا “فبطء عملية التعويض سيؤدي إلى تفاقم هذه التحديات وزيادة الإحباط لدى المتضررين”.
ويؤكد أبو شقرا أن هناك “شكاوى من استنسابية في توزيع التعويضات، حيث اقتصرت على عدد قليل من المتضررين، وشملت في بعض الأحيان أشخاصاً مقربين من مراكز القيادة في حزب الله”.
وفي ختام حديثه، يشدد أبو شقرا على أن الحلول السياسية والاقتصادية في لبنان يجب أن تأتي “عبر إطار السلطة السياسية” مشيراً إلى ضرورة وضع خطة إصلاحية شاملة لمكافحة الفساد، تعزيز الشفافية، وضمان استخدام الموارد بشكل فعال، داعياً إلى إدخال القطاع الخاص إلى القطاعات الحيوية، مثل الكهرباء والمياه والاتصالات، وإلغاء احتكار الدولة لهذه الخدمات، معتبراً أن زيادة الناتج المحلي الإجمالي هي الخطوة الأساسية لتحقيق التعافي الاقتصادي.
من جانبه يرى رباح أن “حزب الله سيواجه تراجعاً كبيراً في تأثيره الشعبي مع تضاؤل الدعم المالي الموجه لبيئته الحاضنة، مما سيؤدي إلى أزمات داخلية متزايدة”، مؤكداً أن “الخطاب الديني والتأثير المهدوي الذي يعتمده الحزب” سيفقدان قدرتهما على الحفاظ على ما سماه “القاعدة الشعبية الحديدية”.
الحرة