لطالما عرف العلماء أنّ “كوفيد-19” ليس نزلة برد أخرى، وأنّه سيستمر في التحوّر سعيًا منه للسيطرة على أجهزتنا المناعية. لكنّهم يعلمون أيضًا أنّنا تغيرنا، إذ أن خلايانا البائية والتائية التي تحاف ظ على ذاكرتنا المناعية، حفظت هذا الفيروس.
وقد قامت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها “سي دي سي” فحص عينات الدم، وقدّرت أنّ نسبة 97% من الأشخاص في أمريكا يتمتّعون ببعض المناعة من خلال تلقي اللقاحات المضادة لـ”كوفيد-19” أو العدوى، أو كليهما.
أما علميًا، فقد تمّ تحديث اللقاحات والأدوية المضادة للفيروسات الجيدة بغية اللجوء إليها عندما تزداد الحالات. ولا تزال الأقنعة فعالة، والاختبارات السريعة متوفرة في أماكن بيعها. كما بات الناس يعلمون كيفية تصفية الهواء وتهوئة الأماكن التي يتواجدون فيه.
لذا، إذا كان الناس أقل عرضة للاستشفاء أو الوفاة بسبب عدوى “كوفيد-19” الآن، فهل انتهى الخطر؟ هل من سبب للقلق إذا أصبت بالعدوى للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة؟ وبرأي الخبراء، أصبحت خطورة الإصابة بـ”كوفيد-19” أقل ممّا كانت عليه سابقًا، لكن ما برح هناك أسباب وجيهة لعدم التعامل معه بشكل عرضي.
وقالت الدكتورة ميغان راني، طبيبة الطوارئ وعميدة كلية ييل للصحة العامة، إنّه “في هذه المرحلة، يكون الخطر أقل بسبب مناعتنا المسبقة، سواء بالنسبة للنتائج الخطيرة أو لكوفيد طويل الأمد”.
لكنّها لفتت إلى أنّ “كوفيد ما زال أكثر خطورة من الإنفلونزا، إلا أنّ مستوى خطورته أصبح أقل”. وأشارت إلى أننا ما زلنا في وقت مبكر جدًا من تجربتنا الإنسانية مع فيروس كورونا، فبعد مرور ثلاث سنوات وأكثر على تفشيه، ما زلنا نجهل معلومات عنه.
وأضافت: “لكنّه متوقّع أن يحذو حذوَ فيروسات الجهاز التنفّسي الأخرى من حيث الموسمية وارتفاع عدد الإصابات”.
وأوضحت راني أنه “مستغرب حقًا” أن يختفي كوفيد أو لا يتسبب بالأمراض والاستشفاء والوفيات، لافتة إلى أنه “لا يزال فيروسًا”.
لكن، التوقعات بتزايد حجم العدوى وانحسارها إلى حد ما لا يسمح لنا بإهمال “كوفيد 19”.
أجهزتنا المناعية باتت أفضل.. لكن.. يتمتّع جميع الأمريكيين تقريبًا ببعض الحصانة تجاه فيروس كورونا، بعد مرور ثلاث سنوات على تفشي هذا الفيروس. وهذا يعني أنّه طالما أجهزتنا المناعية جيدة وتعمل كما ينبغي، فستتذكر معظم أشكال فيروس كورونا عندما نتعرّض له.
وهذا ما يجب أن يحدث. لكن بالنسبة لكثيرين، فإن جهاز المناعة لديهم لا يعمل بالسرعة أو القوة المتوقعة.
وتنخفض وظيفة المناعة بشكل طبيعي مع تقدم العمر. وبحسب بيانات التعداد السكاني في أمريكا، يفوق عمر حوالي 1 من كل 4 أمريكيين الـ60 عامًا. ثم هناك بعض الأدوية والحالات الصحية التي تثبط وظيفة المناعة. وبحسب ما ذكرته المعاهد الوطنية للصحة، يعاني حوالي 3% من سكان الولايات المتحدة، أي 7 ملايين شخص، من ضعف شديد في المناعة. وهذه المجموعة تتناول أدوية لحماية عمليات زرع الأعضاء، أو تتناول أدوية قوية لعلاج السرطان، على سبيل المثال.
ومن ثمّ هناك التباين الفردي، إذ يكون بعض الأشخاص أكثر عرضة لخطر ردود الفعل الخطيرة بالنسبة لمرض “كوفيد-19”، وربما لا يعرفون ذلك، نتيجة سوء الحظ الوراثي.
وأحيانًا يعاني أشخاص من ضعف المناعة لدرجة أن اللقاحات لا تساعدهم كثيرًا أيضًا. ويستفيد هؤلاء من الجرعات الوقائية التي تحتوي على أجسام مضادة لكوفيد، المصمّمة كي تلتصق حول الجسم لبضعة أشهر.
منذ ذلك الحين، ما من دواء يحمي من لديهم وظائف مناعية منخفضة جدًا، من العدوى أو المرض الشديد. لكن هذا الواقع قد يتغير. فقد أعلنت الحكومة هذا الأسبوع، أنها تموّل تطوير جسم مضاد وقائي جديد من خلال شركة الأدوية “ريجينورون وبحسب وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، يتوقّع أن تبدأ تجارب هذا الدواء في الخريف.
وأشار العلماء إلى أنه في حين أنّ الأجهزة المناعية لدى الجميع تقريبًا، يمكنها التعرف على الأجزاء الرئيسية من الفيروس الآن، فإن ذاكرة العدوى هذه تتلاشى بمرور الوقت.
وأوضحت راني أن تلك الخلايا البائية والتائية، “س تكون أبطأ قليلاً بالاستجابة وغير مستعدة للعمل سريعًا”.
ورأت أنه من الذكاء محاولة الحصول على جرعاتك قبل وقت قصير من توقع تفشي فيروس كورونا كي تتمتع بمناعة أقوى خلال أسبوعين إلى شهرين بعد اللقاح. وإسوة بالإنفلونزا، يتوقع الخبراء أن أسوأ حالات “كوفيد-19” ستُسجّل في الخريف والشتاء.
من جهتها، قالت ماندي كوهين، مديرة المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها “سي دي سي” نه رغم ارتفاع الحالات حاليًا، سيكون من الأفضل لغالبية الناس الانتظار بضعة أسابيع للحصول على لقاحات “كوفيد-19” المحدثة عوض السعي للحصول على أحد اللقاحات ثنائية التكافؤ القديمة الراهنة. وأردفت أنّ هذا يعتمد أيضًا على المخاطر الشخصية.
مخاطر المتحوّرات الجديدة
وتُعد المتحوّرات سببًا آخر لاستمرار الناس بالحصول على لقاحات “كوفيد-19”، ذلك أنّ فيروس كورونا يتطور باستمرار. في معظم الأحيان، تكون التغييرات تدريجية. لكن في أحيان أخرى تكون التغييرات كبيرة لدرجة تجعله غير قابل للتعرف عليه من قبل جهاز المناعة لدينا، واللقاحات والأدوية التي نستخدمها ضده.
وقد اختبر العالم ذلك خلال الموجة الأولى من “أوميكرون”. وحاليًا ظهر فيروس آخر مماثل على المسرح العالمي يُعرف باسم “ب ا. 2.86” شابَهُ أكثر من 30 تغييرًا في ا، ما يجعله بعيدًا وراثيًا عن سلفه الأقرب في الأحماض الأمينية لبروتينه الشوكي، ما يجعله بعيدًا وراثيًا عن سلفه “ب.ا 2” على غرار”أوميكرون” الأصلي المتحدر من سلالة أسلاف السارس -كوف2 لذي ظهر بعام 2019 في الصين.
وفي هذا الإطار، أوضح الدكتور جيسي بلوم الذي يدرس التركيب الجزيئي للفيروسات بمركز فريد هاتشينسون للسرطان في مدينة سياتل الأمريكية، أنه مقارنة مع التسلسلات الأولى للفيروس المسبّب لمرض “كوفيد-19”، فإنه يحتوي على 58 تغييرًا بالأحماض الأمينية في بروتينه الشوكي.
وليس واضحًا مصدر “ب ا. 2.86” كن العلماء يعتقدون أن نمط الطفرات المستجدّة لديه تحمل سمات الفيروس الذي يتغير داخل جسم شخص مصاب بمرض مزمن. عادةً ما تكون وظيفة المناعة لدى هؤلاء المرضى ضعيفة بحيث لا يتمكنون من إزالة الفيروس تمامًا من أجسامهم، لكن لديهم مناعة كافية للضغط على الفيروس لمواصلة التحوّر من أجل البقاء، أو ربما تم تداوله سابقًا في جزء من العالم، غير أنّ مراقبته كانت محدودة.
ورصد العلماء 13 إصابة بشرية بهذا المتحوّر الناشئ تم تأكيدها في ست دول: إسرائيل، والدنمارك، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والبرتغال، وجنوب إفريقيا. ولا يُعرف وضع المرضى في كل الحالات. وبين الحالات التي تتوفر عنه ا معلومات عن المرضى، سُجّلت حالة استشفاء واحدة، ولم يفارق أحد منهم الحياة.
وليس واضحًا أيضًا إذا كان هذا الفيروس سيتفوّق على المتحوّرات الأخرى المنتشرة الأخرى، ويتسبّب بإصابات واسعة النطاق.
كما يدرس الباحثون ما إذا كان سيتحلّى بالقدرة على التهرّب من المناعة السابقة المكتسبة من العدوى أو التطعيم.
وتفرض حقيقة قدرة فيروس كورونا على التحوّر بهذه الطريقة الحاجة ربما إلى مواصلة تحديث لقاحاتنا ومناعتنا لمواكبة ذلك.
وأطلقت الحكومة الأمريكية مشروع “نكست جين” الهادف إلى إنتاج لقاحات طويلة الأمد وأكثر مقاومة للتغيرات. وأفادت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية أنه من المتوقع أن تبدأ التجارب السريرية الأولى لهذه اللقاحات الجديدة هذا الشتاء.