فيلم "طرابلس ٠٦": باريس تعاين وجع أهالي العاصمة الثانية وأحلامهم المميتة

بدعوة من “جمعية الحفاظ على التراث في طرابلس”، عرض في صالة سينما في باريس الفيلم الوثائقي “طرابلس ٠٦”.L’Entrepôt

ويسلّط الفيلم، في أقل من أربعين دقيقة، الضوء على واقع مدينة طرابلس التي جرى تصنيفها ضمن واحدة من أفقر مدن البحر الأبيض المتوسط، من خلال حبكة درامية تحاكي تلك الموجة الخطيرة التي شهدتها المدينة مع “قوارب الموت”، وتجول على الأوضاع المعيشية والاجتماعية المزرية لغالبية سكانها الذين يرزح القسم الأكبر منهم في فقر مدقع ويعيش شبابها التهميش والبطالة.

                          الدكتورة جمانا تدمري

واختصر الفيلم هذه الحالة المـأساوية بقصة خالد (سلطان ديب) “بائع الكعك”، الذي تعذّر عليه تأمين أدنى مقوّمات الحياة لأولاده الأربعة… فارتأى أن يرمي نفسه وأولاده في غياهب المجهول بعدما أقنعه أحد منظمي “رحلات الموت”، ببيع أحدهم وبالهجرة مع ما تبقى من عائلته إلى أوروبا التي صوّرها له أنّها “أرض الأحلام”، إلا أنّ الرياح لم تأت كما اشتهى القارب الذي غرق في ظلمة البحر بعدما حصد ما حصد من ضحايا كانوا على متنه وساهم في تيتيم وتشريد أطفال ومنهم ابن خالد ميسرة الذي لم يسلم غيره من العائلة، فوجد نفسه وحيدًا، “ولأن الدني ما بتخلى من الطيبين”، وجد عملًا في مطعم عند أحد أبناء المدينة الذي حنّ عليه وتكفّل باحتضانه.

وتدور أحداث الفيلم في أحياء المدينة ومناطق عدة، وقد تمّ تصويره في غضون ثلاثة أيام، والتقطته كاميرا المخرج وسيم عرابي الذي دفعه إلى اخراج هذا الفيلم، كما أشار عبر رسالة مصوّرة بثّت قبل عرضه، إلى “الواقع المرير الذي يعيشه أهالي مدينة طرابلس بكل تفاصيله والنتائج الكارثية لتلك المخاطرة، وذلك سعيًا إلى الدفع نحو الحدّ من تلك الظاهرة والحثّ على إيجاد الحلول” وبالفعل هذا ما شعر به الحاضرون إذ أكدوا ل”نيوزاليست” “أنهم تفاعلوا مع الحدث كما لو كانوا يعيشونه”.

والفيلم الذي أنتجته “قناة الآن” الإماراتية، من تنفيذ نبيل الرفاعي، ودرات أحداثه في أحياء المدينة ومناطق عدة منها، بمشاركة كلّ من الممثلين اللبنانيين سلطان ديب، نور صابونة، شادي عرداتي، سليم جوهر، نزيه قمر الدين، والأطفال مجد العمر، عمر المصري، بسملة المصري، وهايا المصري.

وقد ترجم فيلم (طرابلس06) إلى اللغة الإنكليزية كي يصل إلى أكبر شريحة ممكنة سعياً الى التوعية على مخاطر تلك الظاهرة، كما من المقرر أن يشارك في مهرجانات دولية وعربية كثيرة.

وقبل عرض الفيلم في حضور عدد كبير من اللبنانيين المقيمين في فرنسا، تمّ الوقوف دقيقة صمت على أرواح الضحايا، ثم ألقت رئيسة “جمعية الحفاظ على التراث في طرابلس” الدكتورة جمانا شهال تدمري كلمة تحدثت فيها عن الواقع المرير الذي تعيشه المدينة، حيث الطبقية مستشرية بشكل مخيف بين أبنائها، وعن مأساة سكانها، لافتة إلى أن عددًا كبيرًا من ضحايا “قوارب الموت” لم يتم انتشالهم لغاية الآن.

وتلا عرض الفيلم نقاش بين الحضور وكل من المحامي والمستشار في التنمية والسياسات الاجتماعية ومكافحة الفقر الدكتور أديب نعمة، ورئيسة التحرير في قناة “فرانس٢٤” والمسؤولة عن موقع “إنفو ميغران” أمارة مخول.

                          ديب ومخول

واعتبر نعمة أن موجات الهجرة غير النظامية من شواطئ طرابلس والذي رفض اختزالها بمعادلة أفقر مدينة على حوض المتوسط إنما من الأفقر كما قال، “نحو قبرص وأوروبا يُذكّر بسياق مختلف لموجات التجنيد في المدينة، وتحديدا بعد الحرب في سوريا، تصنيفها كمدينة متطرفة، والواقع أن كليهما ظاهرة لمشكلة مركّبة، لها بعد سياسي واجتماعي وأمني.

واعتبر أنّ خصوصية طرابلس لا يمكن اختزالها ببُعد واحد، فلا هو الجغرافيا ولا الفقر ولا الاستقطابات السياسية والطائفية ولا الأمنية، بل خليط من كل هذا”.

وأضاف بأنّ المدينة “تتعرض لتفتت اجتماعي موصوف؛ فقبل الحرب الأهلية كان أهلها نقابيين ويعملون بالآلاف في المصانع والحرف والنسيج، ثم تحوّلوا إلى عمال هامشيين مياومين يعملون في قطاعات غير مهيكلة، وهذا تغيير اجتماعي خطير له تداعيات على السياسة والأمن، لأنه أدى إلى تبدّل جوهري في التكوين الاجتماعي للمدينة. كذلك عرضت مخول لواقع المهاجرين ومعاناتهم في الدول الأوروبية المستضيفة.