يعترينا مع كل هذه المآسي التي تحيط بنا، شعور بالغضب والعجز والإحباط والألم والحزن والانتقام… حتى بتنا على يقين بأن الحياة ليست عادلة، متسائلين عما إذا كان ث مّة تواطؤ مع الظالم ضدّ الضحيّة، ناهيك عن الخوف من أن دورنا آتٍ لا محالة، لتنعكس هذه الأفكار السوداوية تقلّبًا في المزاج وانخفاضًا في المعنويات.
فهل من الممكن أن تتحوّل هذه التقلّبات المزاجية إلى حالة إكتئابية؟ وكيف السبيل للحفاظ على صحة عقلية متوازنة إزاء كل ما نعيشه؟ وهل من تغييرات في السلوك يمكن القيام بها؟ وكيف؟
هناك سبع ممارسات مستوحاة من علم النفس الإيجابي قد تساعد على البقاء في منطقة “متوازنة”، وذلك من خلال التغيير في العادات واتخاذ بعض الإجراءات الوقائية للصحة العقلية، وتوفير استراتيجيات محدّدة لتحسين رفاهية الفرد ورفاهية المجتمع ما يجعل الحياة مفيدة ومنتجة على الرغم من كل تعقيدات هذه المرحلة.
أولًا: إثارة المشاعر الإيجابية
إنّ الكمّ الهائل من المعلومات السلبية والمتشابهة التي يتلقاها المرء، حتى لو كانت على دفعات، قد تتسبّب في تغيير ما يسمّى ب “المحور الفزيولوجي للإجهاد”، الذي يتحكّم بالتنفّس ومعدّل ضربات القلب وضغط الدم… فضلًا عن إنتاج الهرمونات، التي بدورها قد تعزّز قلّة الثقة بالنفس وتجعل الفرد أقل استعدادًا لاستيعاب المعلومات الجديدة وعاجزًا عن إيجاد الحلول للمشكلات اليومية التي تواجهه.
في الواقع، إن العواطف الإيجابية ليست مفيدة فقط بسبب الإحساس اللطيف الذي نشعر به عند بثّها، بل لديها أيضًا تأثيرات جانبية إيجابية، يعزّز ظهورها وتطويرها، من تحسين جودة الحياة وتجنّب الوقوع في حالة اكتئاب محتملة.
ولكيفية القيام بذلك، ينصح الخبراء بأربعة تمارين بسيطة:
منح القليل من المتعة: كتناول حبّة من الشوكولا مع القهوة أثناء متابعتنا للأخبار مثلًا.
الضحك والذي هو مفيد للصحة، عبر مشاهدة فيلم كوميدي أو سرد نكتة.
تطوير حالة الدهشة: أ ي أن نأخذ وقتًا لننظر إلى ما يحدث من حولنا ونقدّره.
تطوير السكينة: يكفي أن نمنح أنفسنا عشر دقائق للهدوء، بعيدًا عن الهاتف أو جهاز التلفزيون والانترنت، وأنّ نغلق أعيننا ونتنفّس بعمق.
ثانيًا: تبني موقف بنّاء
يقترح علم النفس الإيجابي استراتيجية ثانية لتجنّب الاكتئاب، وهي تبنّي موقف بنّاء في الحفاظ على تفكير إيجابي، من خلال التركيز على التقدّم نحو الهدف، بدلاً من القلق حول ما سيحدث في حال خسارة الحرب مثلًا أو توسّعها إلى لبنان.
ثالثًا: الحفاظ على الوعي الكامل
تتمثّل الاستراتيجية الثالثة بزراعة حالات من الوعي الكامل الأمر الذي يتطلّب قدرة عالية على التركيز على التجربة الحالية، بعيدًا عن الحكم أو التوقّع، أي يجب مراقبة العواطف والظواهر الإدراكية بعناية، بدلاً من تقييمها.
رابعًا: تطوير المرونة
الاستراتيجية الرابعة لتجنّب الانهيار الإكتئابي هي تطوير المرونة، أي تحسين القدرة على التصدي والتكيّف مع التحديات التي تواجه المرء في الحياة من خلال التعديل في وجهة أهدافه وتعزيز مشاعر الاحترام الذاتي، وتشير الأبحاث العلمية إلى أن عواطف المرء ودماغه وجسده مرتبطة ببعضها البعض بشكل وثيق وبالتالي من الممكن تعديل المشاعر من خلال ضبط طريقة التفكير والتصرّف.
خامسًا: التفاؤل
ليس الهدف من كلمة تفاؤل رؤية الأمور من خلال عدسة وردية، ولكن من خلال الإدراك الجيّد للمشاكل التي تعترض الطريق والإيمان بأنها ستتغيّر من لحظة إلى أخرى، وبالقدرة على تخطّيها.
لفهم الأمور بشكل جيّد، دعونا نعتبر التفاؤل والتشاؤم كأقصى نقطتين على مدار معين، فإذا شعر المرء بالحزن والقلق اليوم، سيرى الأمور بمنظار تشاؤمي، بينما إذا شعر بالسعادة والاسترخاء غدًا، فسينظر إلى الموقف عينه بأسلوب أكثر تفاؤلًا.
عندما يواجه المتفائل مشكلة ما مثلًا، لا يشعر بالذنب ولا يحمّل المسؤولية للظروف المحيطة به، بل يُحاول اقناع نفسه بأن الوضع مؤقت وقابل للتغيير، على نقيض المتشائم، الذي يحوّل الإخفاقات والإحباطات المتكرّرة إلى معتقدات تؤثر على ردود أفعاله وسلوكه، في هذه الحالة، ينصح الاختصاصيون بكسر الدورة الانفعالية الضارة من خلال توجيه التفكير بشكل مختلف والتركيز على أمور أخرى.
سادسًا: ممارسة الامتنان
إن الامتنان لا يمكن فصله عن علم النفس الإيجابي، فعندما يقدّر المرء شيئًا ما، تزداد قيمته وبالتالي يكون قادرًا على فهم أنه يستحق الجهد للحصول عليه وأن الأحداث السعيدة التي طرأت على حياته ليست ” تحصيلًا حاصلًا” إنما اكتُسبت بكدّه وتعبه. وأظهرت الدراسات أنّ فوائد ممارسة ما يسمّى ب “سِجِل الامتنان” من خلال كتابة ثلاثة أشياء على الأقل يوميًا تثير السعادة، قد تشمل مثلًا الأحداث، والأشخاص، والتجارب، تساعد على تعزيز العقلية الإيجابية وتحسين المزاج بشكل كبير وتضيف مستوى من الرفاهية والرضا على الحياة كما تساهم في توفير المرونة التي هي عنصر أساسي للقضاء على الاكتئاب.
ويهدف هذا النوع من التدريب العقلي إلى مساعدة الدماغ على التركيز على التجارب الإيجابية التي قد تطرأ على الإنسان وزيادة وعيه تجاهها، كما أنها تساهم في تحسين تقديره للأشياء الصغيرة والإيجابية في حياته، فترفع بشكل ملحوظ مستوى رضاه وسعادته العامة.
سابعًا: تحديد قوى المرء الشخصية
إنّ تحديد المرء لقواه الشخصية هي استراتيجية قوية مثبّتة من قبل علم النفس الإيجابي لتعزيز النفسية الإيجابية، فعندما يقوم بتحديد واستخدام قواه الشخصية، يصبح أكثر تناغمًا مع ذاته، وأكثر تقديرًا لما يقوم به، فيدرك إمكانياته.
ويعرّف الطبيب النفسي في جامعة “صوفيا أنتوبوليس” في نيس جيروم بالازولو القوى الشخصيّة “بأنها تشكل مصدرًا للنجاح والازدهار، سواء كان ذلك على الصعيد الشخصي أو المهني، فاعتراف المرء بقواه واستخدامها، يمكنه تحقيق مستويات أعلى من الرفاهية والرضا والنجاح في حياته”.
وأظهرت الأبحاث في هذا المجال أنه عندما يستخدم الشخص قواه بشكل مثالي، يشعر بالسعادة والثقة بالنفس، ويصبح أكثر مرونة، فبجمع قواه مع قوى الآخرين ومساعدتهم على استخدامها، يمكن بناء علاقات دائمة تؤدي إلى تعزيز التعاون والعمل الجماعي.
وتبقى أفضل الدروع ضدّ الاكتئاب، تلك التي تتلخّص في تحقيق التوازن المناسب في الحياة، والتي تجمع بين المتعة، والالتزام واللذائذ البسيطة، وهي كلها أشياء تساعد في الوقوف في وجه القيود وتساهم في التصدّي للصعوبات.