"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

"في يوم من الأيّام"!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الأحد، 15 سبتمبر 2024

في خضم أطول حرب وأقساها على الإطلاق، ومن على “منبر من جثث” ينتصب فوق “تلال من ركام”، قال رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” هاشم صفي الدين، في احتفال تأبيني بالذكرى الأربعين لمقتل القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر، إن “هذه المقاومة من فلسطين إلى لبنان إلى سوريا والعراق واليمن والجمهورية الإسلامية الإيرانية وإلى كل عالمنا العربي والإسلامي، وإن شاء الله مع الشعب الأردني الذي ينهض من جديد، هي مشروع كبير وعظيم، وهي التي ستحرر القدس وفلسطين، وستحقق الإنجازات الكبيرة، في يوم من الأيام بإذن الله تعالى”.

إذاً، ما كان مسألة أيّام وساعات ودقائق، وفق خطابات ملأت “الفضاء الممانع” من قم الإيرانية حتى بوابة فاطمة اللبنانية، أصبح، في ضوء الوقائع، مرجأً إلى “يوم من الأيّام”.

ليس صفي الدين وحده من أقرّ بـ”كذب المنابر”. قبله فعل ذلك الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، حين برز في خطابه الأخير، وهو يحطم بلسانه شعاره الشهير الذي يصف فيه إسرائيل بـ”أوهن من بيت العنكبوت”. في ذاك الخطاب، وفي تبرير الهوة الكبيرة بين “التضحيات” و”الخسائر”، لم يجد نصر الله عبارة أكثر تعبيراً من “هذه إسرائيل” ليصف قوتها العسكرية والنارية والاستخبارية والتحالفية.

الخطورة في كلام صفي الدين ونصر الله ليست في واقعيته، فالجميع كانوا يعرفون أنّ “مرجلات” المنابر “تحشيدية”، “دعائية”، و”غير صحيحة”، وأنّ أيّ حرب يمكن أن يفتحها “محور المقاومة” مصيرها إحلال كارثة بالشعوب التي تهيمن عليها والدول التي تتحكم بها، بغض النظر عن الأذى الذي يمكن أن يلحق ب”الدولة اليهودية”. خطورة هذا الكلام تكمن في أنّ الإقرار بالهزيمة الراهنة يترافق مع تمديد أمد المواجهات التدميرية إلى أجل غير مسمى، وهذا يعني أنّ “محور المقاومة” لا يقيم أيّ اعتبار لأيّ شيء في هذا الوجود، فهو يركز حصراً على “الأمل” بتحقيق “حلمه”، “في يوم من الأيّام”!

في الواقع، لن تكون هناك فرصة أهم من تلك التي توفرها هذه الأيّام لتحقيق “الهدف المثالي”، أي تحرير القدس وفلسطين، لأنّ إسرائيل، وفق ما تراها “منابر الممانعة”، منهكة، منقسمة على ذاتها، مفلسة، تائهة، خائفة، محاصرة. وفي المقابل، ووفق هذه المنابر، فإنّ “محور المقاومة” صلب، قوي، متماسك، منتصر، ومحصن!

أمام هذا “الخلل المنبري” في ميزان القوى ما الحكمة من إرجاء تحقيق الهدف إلى “يوم من الأيّام”؟ أليس من الجنون إعادة إنتاج الحروب والقتل والدمار؟ أليس إعطاء “العدو المنهك” فرصة ل “التقاط أنفاسه” ومعالجة “خاصرته الرخوة”، من أكبر “الأخطاء الإستراتيجية”، وفق علماء الإستراتيجية، بدءاً بسون تزو، كاتب “فن الحرب” ونيكولا ماكيافيلي، كاتب “الأمير”؟ أليس عاراً أنّ الحاكم الإسلامي في إيران الذي طالما تغنّى بشعار “إبادة إسرائيل” يمتنع عن توجيه ضربة قاسية ضدها انتقاماً لإسماعيل هنية، بعدما رعد وزبد، لأنّه خائف من مستوى رد الجيش الإسرائيلي ضده وما يمكن أن ينتج عن ذلك كـ”توريطه في حرب إقليمية شاملة”؟ أليس ذلاً أن يبقى النظام السوري على “حياده” وأرضه تُهاجم ومنشآته تدمّر، بوتيرة شبه يومية، وهو الذي لم يُبقِ سوريًّا إلا ورماه على قارعة الأمم أو في المعتقلات وفي المقابر الجماعية، باسم “محاربة المؤامرة الكونية”؟ أليس معيباً أنّ “حزب الله” الذي ملأ الدنيا “مرجلات” يسهر على “دوزنة” قصفه، حتى لا يجر إسرائيل إلى حرب؟

عبارة “في يوم من الأيّام” لا علاقة لها بالسياسة، أو بالإستراتيجية، أو بالحكمة، أو بالقوة، أو بالحرب. هي عبارة صاغها العاجزون عن الوفاء بوعودهم، من أجل تهدئة خواطر هؤلاء الذين يستقوون عليهم. هي تشبه، إلى حد كبير، استعمال كلمات مثل “لو”، “حبذا” “يا ريت”. وحالة مطلقها مثل حالة هذا الفقير الذي لا يتوقف عن الأمل في أن يربح، “في يوم من الأيام” جائزة اليانصيب، أو مثل ذاك المقامر الذي يرهن كل ممتلكاته لأنّه واثق بأنّه ” في يوم من الأيّام” سوف يكسب رهاناته. إنّ استعمال صفي الدين لهذه العبارة لا يشذ عن هذه القاعدة، فـ”حزب الله” خسر “حرب المساندة” ومعه الحوثيون والحشد الشعبي وإيران وسوريا. وعدوا الفلسطينيين على “المنابر” بطوفان وقدموا لهم “ساقية”. و”حزب الله” هذا خائف من الحرب عليه، واتكاله الوحيد على “حكمة” أعدائه: بنيامين نتنياهو وجو بايدن!

إنّ عدم التفاعل مع إرجاء صفي الدين تحرير القدس وفلسطين الى ” يوم من الأيّام”، من شأنه أن يُبقي المعلقين على حبالها، في جهنمهم، وأن يوقع من هم على عتبتها ليكونوا وقوداً لنارها المستعرة!

المقال السابق
قراءة معمّقة في الفارق بين السّياسة الخارجيّة لكلّ من دونالد ترامب وكامالا هاريس
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

هل يعرف "حزب الله" فعلًا ما ألمّ به؟!

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية