"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

في "حرب النزوح" لا صوت يعلو فوق شعار "أنا ومن بعدي الطوفان"

كريستين نمر
الخميس، 17 أكتوبر 2024

في "حرب النزوح" لا صوت يعلو فوق شعار "أنا ومن بعدي الطوفان"

ها هو الشعب اللبناني يجد نفسه مرة أخرى رهينة للخوف والقلق على مصيره ومصير أبنائه، فالتضامن الذي أظهره مع النازحين من المناطق الجنوبية والبقاعية والضاحية، ما لبث أن تبدّد بعد سريان معلومات أنّ “حزب الله” مندسٌ بين البيوت والمدنيين، من خلال ترسانته العسكرية وكوادره وناشطيه ومؤيديه، وانّ إسرائيل تسعى إلى استهدافهم في أي منطقة لجأوا اليها، فتحوّل هؤلاء المنكوبون ببيوتهم وأرزاقهم بنظر مستضيفهم إلى قنبلة موقوتة.

وعاد مشهد القلق يخيّم على اللبنانيين، نتيجة تعرض بنايات عدة في مناطق سكنية مكتظة في العاصمة بيروت وجبل لبنان وكسروان وجبيل والبترون وجزين لقصف إسرائيلي بحجة أنها تأوي قياديين في حزب الله أو تحتوي على ترسانات أسلحة وصواريخ، ما دفع بعدد من أبناء القرى والبلدات والمدن إلى رفع الصوت وطرد كل من تحوم حوله الشكوك.

طبعًا لا يمكن تصديق إدعاءات إسرائيل هذه ولكن في الوقت ذاته لا يمكن دحضها، فخبر سيئٌ واحدٌ يتلقاه الإنسان قد يطغى على عشرة أخبار جيّدة، والسلبية قد تجد بيئتها الحاضنة عند الأشخاص الذين عايشوا في طفولتهم وخلال نشأتهم صدمات كبيرة ومتكررة، وهذا ما نراه اليوم مع اللبنانيين الذين عايشوا الحروب منذ ١٩٧٥ حتى اليوم مرورًا بحرب تموز ٢٠٠٦ وما قبلها وما بعدها من اغتيالات وبلطجيات وتهويل وترويع.

وقد عالج علماء النفس والمجتمع هذه الظاهرة الإنسانية، وقدموا لها المبررات والتفسيرات، وأدرجوها في خانة “غريزة البقاء”!

وينقسم اللبنانيون في موقفهم من التعامل مع النازحين، ففي حين يرى البعض أن ما يقال عن تغلغل حزب الله بين السكان هو عدوان من نوع آخر فيه الكثير من الأنانية وعدم التعاطف، يرى فريق آخر بأنه غير مستعد أن يعيش رعب فقدان حياته وممتلكاته وأحبائه في حرب غير مؤمن أساسًا بجدواها.

يتزامن ذلك مع شعور بعض اللبنانيين بعدم الثقة بقدرات دولتهم على حمايتهم، من هنا رأوا أنه من البديهي اللجوء إلى الأمن الذاتي غير آبهين بما يتم توصيفهم به كـ “أنانيين وبلا قلب”، لأن التعاطف برأيهم، يبقى قائمًا، إلى أن يشعر الإنسان بأن الخطر بدأ يداهمه مع المجموعة التي ينتمي إليها، “حينها يسعى إلى عمل المستحيل من أجل تأمين الحماية لأهله وناسه، كما يقول أحدهم”.

وتقول رانيا (تفضّل عدم الإفصاح عن كامل هويتها): “خوفنا طبيعي ومبرّر، ما متنا ما شفنا مين مات، لن نسمح تحت غطاء الإنسانية أن نستقبل أشخاصًا يكونون السبب بموت أولادنا”.

طبعًا المأساة كبيرة وأكبر منها تحدّي البقاء على قيد الحياة، وقد يكون تفاعل كثير من اللبنانيين مع مخاوفهم، بمثابة آلية دفاعية لحماية أنفسهم وأحبائهم وممتلكاتهم، لكن إزاء هذا الجو المشحون بالقلق الذي يعيشه اللبناني، والذي أدّى في مكان ما إلى تضاؤل التعاطف مع مآسي الآخرين، يبقى الخوف من أن ينتصر الشر على الخير وأنّ يجرد الخوف الناس من إنسانيتهم فتتضاعف مأساة المنكوبين ويذهب “الصالح في هذا الوطن بعزا الطالح”.

ولعدم الوصول الى هنا، فثمة مسؤولية مشتركة ومتوازنة، فعلى النازحين مسؤولية إبعاد “المستهدفين” عنهم، وعلى المستضيفين واجب التمييز بين المحتاجين إليهم وهؤلاء الذين يمكن أن يستعملوهم دروعا بشرية.

وشعار “أنا ومن بعدي الطوفان” الذي يسيطر حاليا على المجتمع اللبناني، ليس في اتجاه واحد، فالمستهدَف لا يفكر إلا بنجاته، ومن لا يريد استضافته، هذه هي حاله أيضا!

المقال السابق
فوائد زيت البرتقال.. كيف يمكن إضافته إلى روتين العناية بالبشرة؟
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

ميركل في مذكراتها: ترامب "مفتون" بالقادة السلطويين

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية