يقوم البابا فرنسيس الذي بلغ 87 سنة، بأطول وأبعد رحلة منذ انتخابه في عام 2013، وهو تحد طموح لم يكن كثيرون يعتقدون أنه سيتحقق، وكذلك طريقة لإثبات قدرته على القيام بمسؤولياته.
وستشمل الرحلة الطويلة لرأس الكنيسة الكاثوليكية 32 ألف كيلومتر في الأجواء في 43 ساعة طيران، وتستمر 12 يوماً يلقي خلالها 16 خطاباً في أربع دول في جنوب شرقي آسيا وأوقيانيا (إندونيسيا وبابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية وسنغافورة) في بداية سبتمبر (أيلول)، وهي رحلة استثنائية بكل المقاييس.
وانتظر البابا حتى السنة الـ12 من بابويته، وقبل ثلاثة أشهر من بلوغه 88 سنة، ليقوم بهذه الرحلة، وهي وعد كان حريصاً على الإيفاء به بعد تأجيل الزيارة في عام 2020 وسط أزم ة “كوفيد-19”.
“دفع الأمور إلى أبعد”
وقبل بضعة أسابيع فقط، كان عدد قليل من المراقبين يعتقدون أنه قادر على القيام بذلك، وكانت الشكوك تحوم في أروقة الفاتيكان في شأن صحة البابا الأرجنتيني التي أثارت قلقاً كبيراً.
وكان البابا فرنسيس الذي يعاني مشكلات تنفس ويتنقل على كرسي متحرك منذ عام 2022، ألغى في عيد الفصح ارتباطات عدة بسبب إصابته برشح قوي، مما أعاد إحياء التكهنات حول حالته الصحية.
وبعد سنة من إجراء جراحة كبيرة في البطن، يتساءل بعضهم: هل سيكون في إمكانه الاستمرار في إحياء القداديس الضخمة في الملاعب والمشاركة في الاحتفالات والاجتماعات، مع فارق توقيت يصل إلى ثماني ساعات وبوتيرة عالية؟ وقال مسؤول كبير في دبلوماسية الفاتيكان أخيراً، “البابا يعتقد أنه يجب دفع الأمور دائماً إلى أبعد”، وتابع “هو يشعر أنه قادر على القيام بهذه الرحلة هذا العام، ليس الأمر أكيداً إذا انتظر للعام المقبل”.
الضغط على الفريق المرافق
ويرى خورخي بيرغوغليو الذي كرر عدم اعتزامه الاستقالة من منصبه طالما أن صحته تسمح له بممارسة مسؤولياته، أن هذه التنقلات هي حجر الزاوية في بابوي ته. ومع هذه الرحلة الخارجية الـ45، يعود اليسوعي الأرجنتيني الذي أصبح أكبر بابا في التاريخ يسافر، إلى رسالته المتمثلة بالعمل في الميدان بعيداً من البيروقراطية في حكومة الفاتيكان التي لا يحبها كثيراً، بينما التواصل مع الحشود على الأرض يمنحه نفساً جديداً.
ومع ذلك فإن الصعوبات المرتبطة بحالته الصحية حقيقية: فهو غير قادر الآن على صعود السلالم، ويجب أن يستخدم مصعداً لركوب الطائرة.
وعلى رغم أن البابا يسافر مع طبيبه الشخصي وممرض، فإن الترتيبات الطبية لا تتضمن “أي جديد” لهذه الرحلة، وفقاً لمصدر في الفاتيكان أكد أن “صحته العامة جيدة، ولم يعان من أية مشكلات خلال الصيف”.
ولا يتحدث الفاتيكان إجمالاً عن هذا الموضوع الحساس، ولا تفاصيل عن الاحتياطات التي اتخذها المنظمون، مثل بروتوكولات معينة مع مستشفيات محلية، وخلال رحلته إلى أفريقيا في بداية 2023، كانت سيارة إسعاف مجهزة بشكل كامل تتبع البابا في كل مكان، جاهزة للتدخل.
قائد السفينة
وتم تعديل برنامج الرحلة، مع يوم من الراحة في جاكرتا بعد رحلة طيران ستستغرق 13 ساعة.
ويقول مصدر في الفاتيكان لوكالة الصحافة الفرنسية إن هذه الرحلة تثير “إعجاباً” بتفاني البابا لمواصلة مهمته على رغم الانتقادات، لكن هناك أيضاً “قلقاً، وحتى نوعاً من الاستياء إزاء إصرار البابا الذي يضع المشرفين على صحته وأمنه تحت الضغط”.
وبالنسبة إلى البروفسور رئيس الجمعية الإيطالية للشيخوخة أندريا أونغر، “هذه الرحلة تثبت مرة أخرى القوة العقلية للبابا وتظهر كيف، على رغم سنه، يمكنه أن يستمر في العمل، كلما توقف الإنسان كلما صار صعباً عليه أن يتحرك مع العمر، الحافز القوي يعطي طاقة لا تصدق”.
لكن النقطة الرئيسة التي تثير تساؤلاً هي كيفية استجابة البابا الذي اضطر بالفعل إلى إلغاء بعض التنقلات لأسباب صحية لكثرة الطلبات.
ولم يسافر فرنسيس إلى الخارج منذ زيارته إلى مارسيليا في سبتمبر (أيلول) 2023، وهي أطول “راحة دولية” له باستثناء عام 2020 الذي سيطرت عليه الجائحة، وفور عودته لروما، سيغادر البابا إلى لوكسمبورغ وبلجيكا في نهاية سبتمبر، قبل شهر أكتوبر (تشرين الأول) المخصص لسينودس الأساقفة حول مستقبل الكنيسة.
وفي ديسمبر (كانون الأول)، من المقرر أن يطلق احتفالات اليوبيل 2025، السنة الكبرى للحج إلى روما التي يتوقع فيها حضور 32 مليون مؤمن، وهذا دليل آخر إن لزم الأمر على أن فرنسيس ما زال من دون شك هو من يقود السفينة.