يصادف 28 سبتمبر/أيلول من كل عام، اليوم العالمي للإجهاض الآمن، وتعتبر منظمة الصحة العالمية أن الإجهاض حق طبي وصحي.
وتختلف أسباب لجوء النساء إلى الإجهاض. وتشير إحصائيات المنظمة إلى أنّ العالم يشهد سنوياً إجراء حوالى 73 مليون حالة إجهاض. ويُنهي الإجهاض ست حالات من أصل كل 10 حالات حمل غير مقصود (61 في المئة) وحوالى 3 حالات من أصل كل 10 حالات حمل مقصود (29 في المئة).
ويعتبر الإجهاض تدخّلاً صحّياً شائعاً وآمناً عند إجرائه بما يتناسب مع مدة الحمل وعلى يد مقدم رعاية صحية يمتلك المهارات اللازمة.
إلا أن الإجهاض غير الآمن هو سبب رئيسي لوفيات الأمهات ويتسبب بما يتراوح بين 4.7 و13.2 في المئة من وفيات الأمهات سنوياً.
ويمكن أن يسبّب مضاعفات صحّية جسدية ونفسية للنساء اللواتي خضعن له. كما يخلف أعباء مالية كبيرة على النساء والمجتمعات المحلية.
وإضافة إلى ذلك، تفرض العديد من الدول عقوبات قانونية قد تصل حد السجن على النساء اللواتي يخضعن لعمليات إجهاض، كما تفرض العديد منها أيضاً عقوبات على الأطباء أو مقدمي الرعاية الذين قدموا المساعدة.
وأشارت تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 45 بالمئة تقريباً من حالات الإجهاض بين عامي 2010 الى 2014 أجريت بشكل غير آمن، وحدث 97 في المئة منها في البلدان النامية.
وتعتبر المنظمة أن تعذّر إتاحة الرعاية الصحية الجيّدة والإجهاض الآمن يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان التي تتضمن الحق في الحياة، والصحّة البدنية والنفسية، والاستفادة من التقدم العلمي، واتخاذ قرار حر ومسؤول بشأن عدد الأطفال والمباعدة بين الولادات وتوقيتها، وفي عدم الخضوع للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
تشير الطبيبة بيلا غاناترا، من قسم الصحة الإنجابية والأبحاث بمنظمة الصحة العالمية، إلى أنه هناك “طريقتان يمكن من خلالهما توفير هذا التدخل البسيط في الرعاية الصحية بشكل آمن”، إما من خلال “إجراء يمكن أن يقوم به الأطباء أو الممرضات أو القابلات في مركز الرعاية الصحية المحلي، أو من خلال استخدام دواء يباع على شكل أقراص”.
وتشير إلى أن تلك الأدوية “درست منذ عدة عقود ولدينا أدلة قوية على سلامتها”.
وتؤكد غاناترا أنه من النادر جداً أن تتسبب هذه الأدوية بآثار جانبية خطيرة وهي لا تتسبب بأي آثار طويلة المدى، كآثار جانبية على الخصوبة مثلاً. ولذلك، تقول إنه يمكن توفير هذه الأقراص بعدة طرق، إن كان “في منشأة بها مقدم رعاية صحية، أو من خلال زيارة للطبيب على الإنترنت، أو إذا كانت المرأة في مرحلة مبكرة بما فيه الكفاية من الحمل ونعني بذلك أقل من 12 أسبوعاً، يمكنها أخذ الأقراص واتباع الإرشادات في المنزل”.
ولا يمكن لأي فتاة أو سيدة أن تزور طبيباً أو مقدم رعاية صحية مختصاً، إن لم تكن قوانين الدولة التي تقيم فيها تسمح بذلك، ما يجبرها على الخضوع لإجهاض غير آمن، قد يكلفها حياتها.
ما هو الإجهاض غير الآمن؟
تقول غاناترا إن الإجهاض غير الآمن لا يختلف تقنياً عن الإجهاض الآمن، بل من حيث الظروف غير الآمنة، كأن يُجرى من قبل شخص غير مدرب بشكل كافٍ أو في حال استخدام أقراص مزيفة أو غير عالية الجودة.
وتضيف: “نشعر بقلق بالغ إزاء مشكلة الأدوية المزيفة ودون المستوى المطلوب وعدم إمكانية الوصول إلى المعلومات الدقيقة أو الدعم الاحتياطي عند الضرورة في حال حدوث أي أعراض جانبية”.
وتشير إلى أن الخطر الأكبر من ذلك هو حين يضطر الناس إلى “استخدام جميع أنواع الأدوية الأخرى والمواد الكيميائية والخلطات والأدوية العشبية التي يتم تناولها عن طريق الفم، أو حقنها، أو إدخالها في المهبل”. وتضيف: “في أحسن الأحوال، يكون بعضها غير فعال، لكنها تؤخر في الوقت نفسه وصولك إلى رعاية صحية فعالة. وفي أسوأ الأحوال، يمكن أن تكون خطيرة للغاية، بل قاتلة”.
وقد يكون اللجوء إلى عيادة طبية لإجراء الإجهاض بشكل غير قانوني، باستخدام الأدوات الطبية المخصصة لذلك، قاتلا ً أيضاً.
إذ تشمل المخاطر الصحّية الجسدية الناجمة عن الإجهاض غير الآمن بهذه الطريقة، الإجهاض المنقوص، أي عدم إزالة أو إخراج كل النسيج الحملي من الرحم أو التعرض لنزيف حاد أو الإصابة بعدوى ما، أو حدوث ثقب بالرحم، ويكون ذلك ناجماً عن استعمال أداة حادة لإجراء الإجهاض. وقد تشمل المخاطر أيضاً تضرّر الجهاز التناسلي والأعضاء الداخلية بسبب الأدوات المستخدمة في عملية الإجهاض غير الآمنة.
هل يحفز منع الإجهاض ظروفه غير الآمنة؟
يتفق الأطباء ومقدمو الرعاية الصحية على أن منع الدول للإجهاض لا يمنع في الواقع هذا الإجراء ولا يقلل من نسب اتخاذ القرار بشأنه، بل إنه يجبر الفتيات والنساء على إجرائه بشكل غير آمن ويعرض حياتهن للخطر.
وتشير الدكتورة رشا الخوري، وهي طبيبة توليد في منظمة “أطباء بلا حدود” في مقابلة سابقة مع بي بي سي نيوز عربي، إلى أن هذه القوانين “تمنع الإجهاض لدى فئة من الناس وليس جميعم” وذلك لأن “الأشخاص الذين لديهم الأموال، ويمكنهم السفر إلى دول أخرى، ويتمتعون بالقدرة على تحمل تكاليف الرعاية الصحية الخاصة، سيتمكنون من إجراء الإجهاض”. وتضيف: “النساء الأكثر فقراً اللواتي لا يستطعن السفر بسبب المجتمع أو لأسباب عائلية يعانين بسبب هذه القوانين”. ومن جهتها، تشير غاناترا إلى أن تقييد وصول النساء إلى الإجهاض الآمن لا يعالج في الواقع الأسباب الأساسية التي تدفعهن إلى الإجهاض في المقام الأول.
وتؤكد وجود طرق لمعالجة هذه المشكلة، وأن الحلول معروفة. وتقول: “نحن بحاجة إلى التأكد من أن تحصل النساء والفتيات على الإجهاض الآمن عندما يحتجن إليه”. لكنها تضيف أن ذلك يجب أن يكون “ضمن نطاق شامل من الخدمات، بالإضافة إلى تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل للمساعدة في منع الحمل غير المقصود والتثقيف الجنسي”.
وتشير إلى أنه “عند تقديم مجموعة كاملة من الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية الشاملة ووضع النساء والفتيات في قلب عملية صنع القرار، فإننا نهتم بصحتهن، وعندها فقط يمكننا القضاء على مشكلة الإجهاض غير الآمن”.
وبحسب دراسة نشرت في مجلة المكتبة الوطنية الأمريكية للطب، صدرت في العام 1985، لا يعتبر الإجهاض ظاهرة مرتبطة بالعصور الحديثة، بل مورس منذ العصور القديمة، إلا أن شرعيته ومدى توافره يتعرضان للمساءلة دوماً.
وخلال العقود الماضية، تحول الإجهاض إلى ملف سياسي ساخن في بعض البلدان، إلى جانب المعتقدات الراسخة حول حق النساء الأساسي باتخاذ القرارات المهمة بشأن أجسادهن وصحتهنّ التناسلية.
وتشير الدراسة إلى أن القوانين التي تحظر ممارسة الإجهاض بشكل مطلق تعتبر تطوراً حديثاً نسبياً.
على سبيل المثال، فإن الكنيسة لم تعتبر الإجهاض جريمة، إلا في العام 1588، خلال عهد البابا سيكستوس الخامس الذي أعلن الإجهاض بجميع أنواعه جريمة، وكانت عقوبته هي الحرمان الكنسي. إلا أن هذا القرار تغير مرات عدة منذ ذلك الحين.
وأصبح الإجهاض قضية سياسية بارزة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية على سبيل المثال، خصوصاً بعد إلغاء المحكمة العليا الأمريكية في شهر يونيو/حزيران من العام 2022 قرارها بالحق في الإجهاض والتي كانت قد أصدرته في العام 1973.