شنت فرنسا حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ردا على موجة من عمليات الاحتيال عبر الإنترنت، والتي استهدفت الكثير من المستخدمين، من بينهم مؤثرين على تلك الشبكات أقنعوا متابعيهم بالتخلي عن مدخراتهم لصالح التبرع لعلاجات إعجازية للسرطان وغير ذلك من المنتجات المزيفة.
ويفرض قانون فرنسي جديد على صانعي المحتوى عبر الإنترنت دفع غرامات كبيرة ويجعلهم أيضا عرضة لأحكام بالسجن لمدة عامين حال إدانتهم بالترويج لخدمات خطيرة أو ممارسات تجارية مضللة.
لكن لم تكن الدولة وحدها هي التي تدخلت، فقد كانت هناك أيضا أودري، أم لطفلين، التي أعربت عن صدمتها عندما اكتشفت مدى قوة هؤلاء المؤثرين - الذين تحققت الشهرة لأغلبهم في برامج تلفزيون الواقع - وبالفعل أنشأت أودري حسابا خاصا على موقع التواصل الاجتماعي للصور إنستغرام لفضح ممارساتهم غير المقبولة.
وقالت السيدة الفرنسية: “قلت لنفسي إن هذا خطأ فادح. فلا يمكن أن تفعل ذلك بمجتمع من الناس ربما يعشقونك…، وأن تدفعهم إلى المخاطرة بالشراء من مواقع غير موثوقة”.
ودقت أودري ناقوس الخطر عندما شاهدت نجمة سابقة لبرنامج تلفزيون الواقع تروج لمكملات غذائية ادعت أنها تقتل الخلايا السرطانية.
تسعى الصفحات التي أنشأتها هذه السيدة الفرنسية على وسائل التواصل الاجتماعي، Your Stars in Reality، إلى فضح الممارسات المضللة وغير القانونية، كما توفر أدوات للمساعدة في منع وقوع الأشخاص في عمليات الاحتيال. وبلغت معاناة ضحايا عمليات احتيال المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي حد محاولة الانتحار، وفقا لجمعية تم إنشاؤها لمساعدة ضحايا هؤلاء المؤثرين.
وقال متحدث باسم جمعية مساعدة ضحايا المؤثرين (AVI Collective) الفرنسية: “كانت هناك حالات طلاق، وفقد البعض منازلهم ووظائفهم، ودخلوا في اكتئاب”.
وتنطوي العديد من عمليات الاحتيال على نصائح تجارية خاطئة كلفت الضحايا أكثر من 50 ألف يورو، وفقا للنائب الفرنسي آرثر ديلابورتي الذي يستشهد بأرقام صدرت عن جمعية مساعدة ضحايا المؤثرين التي تشير إلى أن متوسط خسائر الفرد جراء تلك الممارسات يقدر بـ 1500 يورو.
وقال ديلابورتي أمام مجلس الشيوخ الفرنسي أثناء استعداده لحظر هذه الممارسات إن “هذا القانون مخصص لضحايا عمليات الاحتيال والمؤسسات الرقابية التي تعمل لصالح المواطنين وتنبه السلطات العامة” لمثل هذه المخاطر. وقالت أودري لبي بي سي إن “هذه قضية صحة عامة”.
وأضافت: “فعندما تصاب بمرض ما، فسوف تكون مستعدا لتصديق أن هناك شيء يمكنه أن يخلصك من وطأة العلاجات المكثفة ويجنبك الموت. وعندما يتوقف الناس عن تلقي علاج السرطان، معتقدين أن مكملا غذائيا يمكن أن يعالجهم، فقد يكون الأوان قد فات على تدارك ذلك.”
لكن فضح ممارسات المؤثرين ليس سهلا.
ففي العام الماضي، احتال أحد المؤثرين على موقع التواصل الاجتماعي عبر الفيديو يوتيوب - يستخدم اسم Crypto Gouv - على ما يقرب من 300 شخص واستولى على أكثر من 4 ملايين يورو من أموالهم، وفقا لعضوة الجمعية الوطنية الفرنسية أوريليون تاشيه أثناء النظر في مشروع القانون.
ونشر Crypto Gouv تعليمات خاطئة حول الاستثمار في العملات المشفرة وطلب من المتابعين أن يعهدوا إليه بأموالهم للتداول بها.
واستهدفت عملية احتيال شهيرة أخرى مخططا للتدريب والتعليم الشخصي في فرنسا على ا لإنترنت- معروف باسم CPF - وهو نظام يوفر تمويلا يصل إلى 500 يورو للأشخاص في سن العمل الذين يسعون إلى التدريب المهني.
وتلقى مؤثرون على التواصل الاجتماعي أموالا من أجل الإعلان عن دورات تدريبية مزيفة، مما أسهم في جمع حوالي 43 مليون يورو من عملية الاحتيال التي نالت من برنامج التعليم والتدريب الشخصي CPF عام 2021، وفقًا لوزارة الاقتصاد. وتم بيع المنتجات التي لن تصل أبدًا، وحجز العطلات التي لن يتم الاستمتاع بها مطلقًا، والإعلان عن أنواع من الشامبو تحتوي على مواد محظورة تؤدي إلى تساقط الشعر.
وكشفت دراسة، أجرتها الإدارة العامة للمنافسة وشؤون المستهلك ومكافحة الاحتيال في فرنسا على 60 من المؤثرين الأفراد والوكالات المؤثرة بداية من يناير 2023، أن 60٪ من المؤثرين على التواصل الاجتماعي لم يحترموا اللوائح الخاصة بالإعلانات وحقوق المستهلك.
وقال سام زيرة، صانع المحتوى الإلكتروني الذي أطلق برنامج AJA عبر موقعي التواصل الاجتماعي يوتيوب وتويتش: “بالنسبة لي، إنها تشبه المافيا إلى حد ما”، وذلك أثناء تعليقه على الثقافة الدارجة ووسائل التواصل الاجتماعي وتليفزيون الواقع.
وأضاف، في تصريحات أدلى بها لبي بي سي أن برنامجه ركز عمل على التوعية بشأن الإعلانات المضللة عن المنتجات لمدة عامين تقريبًا، وغالبًا ما أغضب ذلك المؤثرين ووكلاءهم وشركات الإنتاج التلفزيوني.
وأشار إلى أنه أجرى مقابلات مع مؤثرين لسنوات، مؤكدا أنه كان يتلقى تحذيرات في بعض الأحيان من طرح بعض الأسئلة، وإلا حُرم من الوصول إلى المشاهير.
وقال سام زيرة: “سوف يعقدون العزم على أن يجبروك على التوقف عن العمل والحفاظ على صورتهم العامة، وسيحاولون إخافتك وإسكاتك من خلال مقاضاتك بتهمة التشهير”.
ويغير الكثير من المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي مسارهم في الوقت الراهن، سواء بضغط من الحكومة أو طواعية. وصدرت أوامر من إدارة شؤون المستهلك لستة أشخاص منهم بنشر بيان رسمي يعلنون فيه أنهم واجهوا أمرا قضائيا بسبب الدعاية المضللة.
ونشر إيلان كاسترونوفو، أحد المؤثرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معلومات على موقع التواصل الاجتماعي عبر الصور إنستاغرام لمتابعيه البالغ عدد 2.2 مليون متابع اعترف خلالها بأنه روج للمقامرة ولدورات تدريبية زائفة استهدفت برنامج التدريب والتعليم الشخصي الفرنسي CPF، مؤكدا أنه لم يتبع معايير الشفافية أثناء الإعلان عن الكثير من المنتجات.
وحذر عبر إنستغرام، قائلا: “أرى بعض المؤثرين يضحكون. لقد عوقبت أنا وسيمون (مؤثر آخر خضع لعقوبات) وطُلب مني نشر هذا لمدة 30 يومًا، لكن هذه هي أصغر عقوبة - وهناك عقوبات أكبر قادمة”.
وأخبرت ميفا غنام، نجمة تلفزيون الواقع التي أصبحت مؤثرة بعلامتها التجارية لمنتجات التجميل، متابعها البالغ عددهم 3.3 مليون متابع بأنها “توافق تمامًا” على القانون الجديد. وكانت غنام قد أثارت غضبًا في 2021 عندما روجت لجراحة تجميل المهبل - وهو الترويج الذي خالف القانون نظرا لأن من قامت به ليست محترفة في الطب.
لكم بالطبع لا يتعامل جميع المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي مع الأمور بشكل يخلو من المسؤولية.
وتقول لويزا أوبيري، التي يساعد حسابها على إنستغرام في الترويج لعلامتها التجارية الخاصة من الملابس الداخلية الصديقة للبيئة المناسبة لجميع القياسات، إنه “من العار أن تتحول كلمة ‘مؤثر’ إلى مرادف لكلمة ‘لص’“.
وأضافت: “لا أعتقد أن الناس يدركون الأثر الإيجابي الذي يمكن أن يتركه المؤثرون في حياة الناس. فأنا أتلقى الكثير من رسائل الشكر”.
وقد لا يؤدي هذا التغيير في القانون إلى إنهاء عصر المؤثرين، أو المحتالين، كما وصفهم مغني الراب الفرنسي بوبا ذات مرة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يمكن للمؤثرين في فرنسا التكيف مع الواقع الجديد؟