عاماً بعد عام، يثبت القطاع السياحي أنّه العمود الفقري الفعلي للاقتصاد في ل بنان. فرغم الانهيار الحاصل، وفي ظل أزمات نخرت جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها، كان صيف 2023 في لبنان “ولعان” أكثر من العام المنصرم، حتى إنّ أصداء هذه السياحة اللافتة في بلدٍ يغرق في أزماته، وصلت إلى مجلة Economist The العالمية التي نشرت أخيراً مقالاً عنونته “Lebanon is experiencing a tourism boom” لكنّها شرحت بشكل أساسي أنّ هذه الحركة منفصلة تماماً عن واقع الحياة اليومية.
أظهرت أرقام مطار رفيق الحريري الدولي الرسمية، أنّ مجموع عدد الوافدين إلى لبنان في صيف 2023 في أشهر حزيران وتموز وآب وصل إلى قرابة 1300000 وافد. وفي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وصلت أرقام الوافدين إلى قرابة 1100000 وافد. أي إنّ لبنان هذا العام استقبل عدد وافدين أكثر من العام الماضي.
وجاءت أرقام قطاع الفنادق كبيرة، بحيث إنّ نسبة الحجوزات فيها راوحت ما بين 75 و100 في المئة خلال موسم الصيف. ويورد نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر في حديث لـ”النهار”، أنّ “القطاع السياحي برمّته أبلى بلاءً حسناً هذا الموسم، فقطاع تأجير السيارات كان جيداً جداً وقطاع المطاعم كان ممتازاً”.
ويمكن القول إنّ بيوت الضيافة كانت نجم موسم صيف 2023. ففيما يقارب عددها حوالي 220 مؤسسة، كانت نسبة الإشغال فيها 100 في المئة بسبب عدد الغرف القليلة التي تتضمّنها بطبيعة الحال، والطلب الكبير عليها لكونها أصبحت “موضة”، ووجودها في مناطق نائية يواكب التوجّه الجديد في السياحة (البيئية، الرياضية، الداخلية، الجبلية…)، مقابل تراجع عمل الفنادق الكلاسيكية المنتشرة في جبل لبنان قليلاً”.
ويمكن التحدّث هنا عن “لامركزية سياحية” كمفهوم بات منتشراً في لبنان على مستوى البلدات التي باتت تبرز جميع إمكاناتها السياحية وتسوّق لها، من منتجات بلدية ومواقع أثرية ودروب للمشي وغيرها من النشاطات، بحيث دخلت مناطق جديدة على خريطة لبنان السياحية، حتى الحدودية منها.
وفي مقارنة مع الموسم الماضي يقول الأشقر إنّ هذا الموسم هو أفضل من موسم صيف 2022، على مختلف أوجه القطاع السياحي، ولا سيما أنّ عدداً كبيراً من المؤسسات السياحية الجديدة فتح، وهي شغالة في هذا الموسم. فمثلاً، العام الماضي كانت البترون تضمّ حوالي 153 مطعماً ومقهى وملهى، أمّا هذا العام، فزاد العدد إلى 215.
هل أسهم موسم صيف 2023 في استقرار اقتصادي؟
مع انقضاء الموسم السياحي الصيفي في لبنان، لا شكّ في أنّ قدوم حوالي أكثر من مليون وافد إلى البلاد خلال فترة الصيف، شكّل جرعة أوكسيجين على صعيد العجلة الاقتصادية عموماً والقطاع النقدي خصوصاً، بحسب الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية الدكتو ر فادي قانصو في حديث لـ”النهار”.
فالقطاع السياحي يسهم بأكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على اعتباره العمود الفقري للاقتصاد اللبناني المعتمِد بالدرجة الأولى على قطاع الخدمات. بالتالي، هذا القطاع مساهم أساسي في معدل النمو الاقتصادي المقدّر بحدود 2 في المئة خلال العام 2023.
في موازاة ذلك، تشير توقعات وزارة السياحة إلى أنّ الإيرادات السياحية قد تناهز عتبة الـ10 مليارات دولار حتى نهاية العام، وهي أسهمت فعلياً في ترسيخ استقرار نسبي على صعيد سعر الصرف منذ ما يقارب خمسة أشهر، مع العلم بأنّ ثلث الوافدين هم أجانب، وتحديداً أوروبيون، يليهم سيّاح عرب من العراق والأردن ومصر، فيما النسبة الباقية أي الثلثان، من المغتربين اللبنانيين.
وكما هو معلوم، ما ينفقه المغترب اللبناني أقلّ نسبياً ممّا ينفقه السائح العربي وتحديداً الخليجي الذي غاب أيضاً هذا العام عن لبنان بعدما لجأ إلى مقاصد سياحية في بلدان أخرى. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ معظم هذه الإيرادات السياحية، أي الأموال التي جنتها القطاعات السياحية كالفنادق والمطاعم وشركات المواصلات وغيرها من القطاعات الأخرى المستفيدة، لم تدخل الجهاز المصرفي بسبب عدم الثقة. بالتالي، فهي لم تسهم في عملية خلق النقد، ولكن أسهمت فعلياً في تعزيز عملية الادخار، ما يعني أنّها أسهمت في تحريك العجلة الاقتصادية جزئياً من خلال تحفيز الاستهلاك الداخلي لكن ليس اقتصاد الدولة، لأنّ هذه الأموال لم تدخل بكامل الدورة الاقتصادية.
بناءً على ذلك، إذا بقي القطاع المصرفي غائباً عن عملية اجتذاب هذه الأموال من خزائن المواطنين، فلن نشهد النمو الاقتصادي المطلوب لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
النهار