أعلن فرع القاعدة في سوريا المسمّى بـ”تنظيم حراس الدين”، حلّ نفسه، مشيرا إلى أن “التطورات الأخيرة” دفعته لـ”اتخاذ مثل هذا القرار”.
وأوضح التنظيم، في بيان نشر على قنوات “تيليغرام” التابعة له، الثلاثاء، أن القرار صدر بـ”توجيه أميري” من القيادة العامة لتنظيم القاعدة، وذلك بعد سنوات من تراجع نفوذه وتقلص قوته في شمال سوريا.
ومنذ عام 2019، تعرض التنظيم، المصنف على قوائم الإرهاب الأميركية، لضربات قوية أفقدته معظم قدراته العسكرية وقياداته البارزة، في أعقاب سلسلة غارات جوية أميركية قضت على أهم عناصره، وموجات من المواجهات مع “هيئة تحرير الشام”، أفقدته نفوذه.
وتؤكد القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم”، في تقييماتها، أن “حراس الدين” يمثل امتداداً لتنظيم القاعدة في سوريا، ويشاركه رؤيته في استهداف المصالح الأميركية والغربية على المستوى العالمي.
لمحة عن “حراس الدين”
نشأ التنظيم من رحم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وذلك في أعقاب قرارها فك ارتباطها بتنظيم القاعدة عام 2016، حين رفضت مجموعة من القيادات والعناصر هذا الانفصال، متمسكة بولائها للقاعدة.
وتصاعد التوتر بين الطرفين بعد إصدار هيئة تحرير الشام، في يوليو 2017، تعميماً يمنع تأسيس أي جماعة جديدة في الشمال السوري، وذلك في محاولة منها لقطع الطريق أمام مساعي إعادة تأسيس القاعدة في المنطقة، لتتوج هذه الخلافات بالإعلان الرسمي عن تأسيس تنظيم حراس الدين، في 27 فبراير 2018.
وضم التنظيم عند تأسيسه فصائل مسلحة صغيرة، معظمها انشق عن “جبهة النصرة”، مثل “جيش البادية” و”جيش الملاحم” و”جيش الساحل” و”كتيبة الغرباء” و”سرايا الساحل”.
وعند تأسيسه قاد التنظيم “أبو الهمام السوري”، مع “أبو القسام الأردني” كمسؤول عسكري ونائب له، بينما أسند “الملف الشرعي” إلى “سامي العريدي”.
وتبنى التنظيم أيديولوجية القاعدة السلفية الجهادية، التي تدعو لمهاجمة الغرب وإسرائيل بهدف طرد النفوذ الأجنبي من الأراضي الإسلامية، على حد وصفه.
وكان التنظيم، الذي يضم ما بين 2000 و2500 مسلح، يتمركز بشكل رئيسي في محافظة إدلب، رغم تنفيذه هجمات في محافظتي الرقة ودمشق عام 2021.
العلاقة مع هيئة تحرير الشام
اتسمت العلاقة بين تنظيم حراس الدين وهيئة تحرير الشام ـ المصنفة أيضا إرهابية بالولايات المتحدة ـ بالتوتر المستمر، وذلك يرجع أساساً إلى الخلاف الجذري بشأن قرار فك الارتباط بتنظيم القاعدة، إذ رفضت مجموعة من القيادات والعناصر هذا الانشقاق، متمسكة بولائها للتنظيم الأم.
وتفاقم التوتر بين الطرفين لأسباب أخرى، منها رفض حراس الدين الاعتراف بحكومة الإنقاذ التابعة للهيئة، التي كانت تدير شؤون إدلب.
إضافة إلى رفضه الانضمام إلى غرفة عمليات “الفتح المبين”، وهو تحالف عسكري تأسس في الشمال السوري عام 2019 يضم الفصائل الرئيسية في محافظة إدلب وما حولها.
كما كان التنظيم يطالب باستمرار باستعادة الأسلحة والمعدات التي يدعي أنها من حقوقه منذ فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة.
وبحسب بيان سابق، أصدره قبل 3 أعوام، يزعم التنظيم أنه شن نحو 200 هجوم منذ إنشائه، استهدفت مناطق ريفية وبلدات صغيرة متنوعة في محافظات حلب وحماة وإدلب واللاذقية.
وتعرض التنظيم على مدار السنوات الماضية لضربات قوية، أبرزها عمليات اغتيال دقيقة نفذتها الولايات المتحدة، أسفرت عن مقتل معظم قادته الكبار في مناطق مختلفة من إدلب.
ومن أبرز القيادات التي أعلن مقتلها: أبو القسام الأردني، وخلاد المهندس، وأبو خديجة وأبو جليبيب الأردنيان، وأبو محمد السوداني، وأبو عدنان الحمصي، وبلال الصنعاني، وأبو البراء التونسي، إضافة إلى أبو عبد الرحمن المكي.
ولم تكن الضربات الأميركية المتواترة العامل الوحيد في إضعاف التنظيم، بل كان في مقابلها حملة واسعة على الأرض قادتها هيئة تحرير الشام منذ عام 2020، عقب إصدارها بيانا، يحظر أي نشاط عسكري خارج غرفة عمليات “الفتح المبين”.
صفقة مع تحرير الشام؟
وفي سياق التطورات الأخيرة المرتبطة بحل التنظيم، تزامن صدور القرار مع تحولات جذرية في المشهد السوري، مع وصول فصائل مسلحة تقودها هيئة “تحرير الشام” إلى السلطة، بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد.
وأشار بيان الحل، إلى أن “التطورات الأخيرة” على الساحة السورية دفعت التنظيم لاتخاذ هذا قراره.
في هذا الجانب، برزت مؤشرات تربط بين حل التنظيم والتغيرات السياسية والأمنية في سوريا، خاصة في ضوء دعوة قائد الإدارة السورية الجديدة لحل التنظيمات المسلحة، إذ كان لافتا في البيان الأخير، دعوة التنظيم المنحل من وصفهم بـ”وجهاء الشام ومن يتصدرون المشهد” إلى “إقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين”.
في هذا السياق، لا يستبعد الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، أحمد عطا، أن يكون قرار الحل “استجابة لدعوة قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، الملقب بأبو محمد الجولاني بحل التنظيمات المسلحة في سوريا”.
ويوضح عطا في تصريح لموقع “الحرة”، أن توقيت إعلان حل التنظيم له دلالات مهمة، خاصة أنه جاء في أول بيان رسمي له بعد سقوط نظام الأسد، مما يشير إلى محاولة التنظيم التكيف مع المتغيرات الجديدة في الساحة السورية.
ويلفت المتحدث ذاته، إلى أن “مصادر أكدت حدوث لقاء غير معلن بين قيادات مجموعة من التنظيمات المسلحة والجولاني، في محافظة إدلب، تم خلاله الاتفاق على حل التنظيمات المنتشرة في سوريا وتسليم أسلحتها، مع إتاحة خيار الانضمام إلى الجيش السوري”.
ويشير عطا إلى أن عددا من هذه التنظيمات، مثل “حراس الدين وكتيبة قوافل الشهداء وكتيبة سارية الجبل، وكتيبة القعقاع، وكتيبة الشيماء، تمتلك أسلحة متنوعة من شرق وغرب أوروبا، حصلت عليها مقابل بيع النفط السوري من منطقة الجزيرة بأسعار رمزية لشركات وسماسرة”.
غير أن عطا يشير أيضا إلى أن قرار الحل يأتي بعد سنوات من الضربات الموجعة التي تلقاها، سواء من الضربات الأميركية المباشرة أو من خلال المواجهات مع هيئة تحرير الشام، مما أدى إلى إضعاف قدراته التنظيمية والعسكرية بشكل كبير.
(الحرة)