"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

فلنقلع عن التكاذب الوطني

علي حمادة
الأربعاء، 19 يونيو 2024

فلنقلع عن التكاذب الوطني

مع وصول لبنان قبل يومين الى حافة الحرب، يمكن القول إن هوامش المناورة في اللعبة الدائرة بين إسرائيل و”حزب الله” قد ضاقت كثيراً. فـ”حرب المساندة” التي بادر إليها “حزب الله” بقرار منفرد بلغت حدودها من دون أن تؤثر على جبهة قطاع غزة التي شهدت تدميراً شبه تام لكل الحواضر والتجمعات السكنية من الشمال الى الجنوب. وإن كانت الفصائل الفلسطينية وفي مقدمها حركة “حماس” تجابه آلة الحرب الإسرائيلية بقوة وعزم واستبسال، وتوقع بالجيش الإسرائيلي خسائر مؤلمة، فهذا لا يعني انتصاراً حاسماً، لأن الهجوم الإسرائيلي مستمر أسابيع طويلة.

على الجبهة اللبنانية يعتبر “حزب الله” بفكره العدمي أنه يحقق انتصارات على الإسرائيليين بمجرد أنه أخرج ٦٠ ألف شخص من الشمال الإسرائيلي، وحقق إصابات مباشرة بعشرات المنازل والوحدات السكنية، وأصاب نقاطاً عسكرية منتشرة في الشمال. لكن الحقيقة أنه أودى بحياة أكثر من ٤٠٠ مواطن لبناني بينهم منتظمون في صفوفه وآخرون من المدنيين الذين لا علاقة لهم بحربه. أكثر من ذلك ثمة خسائر في المنازل والوحدات السكنية في الجنوب اللبناني تتجاوز الآلاف، وأكثر من ١٠٠ ألف نازح من القرى والبلدات الجنوبية. بالإضافة الى الخسائر غير المباشرة الهائلة التي تلحق بالاقتصاد اللبناني جراء إشاعة مناخات الخطر الأمني على البلاد.

أما الخسائر المعنوية فهي أكبر بكثير، ولا سيما مع انهيار ما بقي من فكرة العيش المشترك تحت سقف واحد، في وطن واحد. فبعيداً عن التكاذب بين القيادات السياسية اللبنانية، نلاحظ أن الميل للانفصال عن بيئة “حزب الله” من أجل التحرر من سطوته، وهيمنته، وظلمه للآخرين باتت أقوى من التعلق بفكرة لبنان الواحد. ومن هنا ينبغي أن ننصت بانتباه الى الأصوات الصاعدة من كل البيئات التي لا تدين بالولاء لـ”حزب الله” أن السلاح الذي يمتلكه من خارج الشرعية والتوافقات الوطنية، هو السلاح الذي يدمر يومياً النسيج الوطني اللبناني.

لا يكفي أن يتمتع “حزب الله” بقوة تجعل إسرائيل تفكر عشر مرات قبل أن تقدم على اجتياح لبنان. الأهم أن يشعر اللبنانيون، كل اللبنانيين، بأن سلاح “حزب الله” غير الشرعي لا يهددهم في حياتهم، وأمنهم، وأمانهم، ومصيرهم على هذه الأرض. فالمشكلة لا تقتصر على السلاح غير الشرعي، بل تتجاوزهم الى المشروع التوسعي الذي ينفذه هذا الحزب، بهدف نسف التوازنات السياسية، والطائفية، والديموغرافية، والعقارية في لبنان. هذا هو الخطر الأول قبل أي عدو آخر. ولقد أدى سلوك الحزب المذكور الى دفع ملايين اللبنانيين في الوطن والانتشار إلى اعتباره مصدر التهديد الأول للوطن. من هنا تنامي الحديث عن رفض العيش في ظل هيمنة مشروع مناقض لفكرة لبنان الكيان. فما يعتبر بنظر بيئة الحزب المذكور مقاومة، هو احتلال مصدر إكراه في نظر أغلبية البيئات الأخرى. وإن كان “حزب الله” يعتمد على تقاطع المصالح المؤقت بينه بين الجماعة الإسلامية فهذا لا يعني أبداً أن السنة في لبنان نسوا من قتل رفيق الحريري ورفاقه، أو اجتاح العاصمة بيروت وقتل العشرات في غزوة ٧ أيار. كما أن هذا التقاطع لا يعني أن السنة في لبنان يتجاهلون ذبح مئات الآلاف من سنة سوريا والعراق على يد “حزب الله” والفصائل الإيرانية المذهبية الأخرى من قلب دمشق الى قلب المحافظات ذات الأغلبية السنية في العراق.

أما الاعتماد على سياسة “تنظيم الخلاف” فلا يعني أن الدروز يأمنون جانب الحزب الذي حاول أن يغزو قراهم في ١١ أيار ٢٠٠٨. وأخيراً وليس آخراً لا تكفي العلاقة الانتهازية مع “التيار الوطني الحر” للتسليم لـ“حزب الله” و شريكته “حركة أمل” بحرية تنصيب رئيس للجمهورية لا يمثل المسيحيين عموماً ولا الموارنة خصوصاً.

إن كان “حزب الله” نجح في شيء فقد نجح في تدمير ما بقي من لبنان الواحد وتشييد سجن كبير مكانه. إن الهوة أعمق بكثير مما يعتقده البعض. فلنقلع عن التكاذب الوطني.

النهار

المقال السابق
الرئيس القبرصي يعلق على تهديدات نصرالله "غير اللطيفة وغير الواقعية"

علي حمادة

كاتب ومحلّل سياسي

مقالات ذات صلة

جنوب لبنان والثمن الباهظ للحرب والتهجير

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية