"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

فكّر بقوّة بما ترغب فيه وسيتحقق.. أين "الخدعة" من "الحقيقة" في ما يزعمه أنصار "قانون الجذب"

كريستين نمر
الأربعاء، 8 نوفمبر 2023

فكّر بقوّة بما ترغب فيه وسيتحقق.. أين "الخدعة" من "الحقيقة" في ما يزعمه أنصار "قانون الجذب"

“كوني إيجابية.. صدّقيني سوف تُحَلّ جميع مشاكلك!“. بهذه الكلمات فاجأتني امرأة بينما كنت أجيب عن سؤال طرحه عليّ أحد الزملاء عن الوضع في غزّة وإذا ما كان ثمّة احتمال أن تتوسّع الحرب إلى لبنان، ولكنّها تابعت الإجابة غير آبهة بدهشتنا من “تسلّلها” إلى حوارنا وقالت: “إحدى صديقاتي كانت في وضع مالي كارثي، فكرّست تفكيرها بقوّة لكل شيء إيجابي، وحدثت معجزة،.تركت لها عمتها منزلًا عندما توفيت!“.

لم أشأ أن أناقشها بأنّ ذاكرتنا الانتقائية ماهرة جدًا في الاحتفاظ فقط بما يناسبنا، إذ بدت غير مستعدة لسماع ما يسمّى ب “انحياز التأكيد”، فأجبتها مبتسمة: إنني سعيدة لأجلها، وصديقتك يجب أن تكون سعيدة الآن…”، فعلّقت متنهّدة: “إنها تعاني من السرطان، ويبدو أن العلاجات غير فعّالة…”، فما كان مني إلّا أن تأسفت على تلك السيّدة، ولكنّني لم أمسك نفسي عن “السخرية” من المتدخِلة، فقلت لها: “يبدو ان التفكير الإيجابي اختصاصه الاقتصاد وليس الطبّ!“.

بعيدًا عن المزاح، كيف يمكن لهذه السيّدة أن تزعم أنّ التفكير الإيجابي ينتج “معجزات” ماليّة، ولكنه… لا يؤدي إلى الشفاء؟

القوى السحرية

التفكير الإيجابي يساعد على جذب الأحداث الإيجابية كالمغناطيس، كما الأفكار السلبية التي ينادي بتجنّبها بأي ثمن.

ليس المقصود في الحديث عن التفكير الإيجابي، تطوير الذات والتفاؤل والإلهام والتركيز ، إنّما “القوى السحرية” الموجودة في أفكار المرء، والتي يزعم البعض أنّها قادرة على تحقيق أهدافه. وأطلق أنصار تيّار “النمو الشخصي والتنمية الذاتية” على هذه الآلية مصطلح “قانون الجذب”، للدلالة على أنّ الأفكار والمشاعر التي يطلقها الإنسان، قد تؤثر على الأحداث في حياته، أي أنّ التفكير الإيجابي يساعد على جذب الأحداث الإيجابية كالمغناطيس، كما الأفكار السلبية التي ينادي بتجنّبها بأي ثمن.

وكثيرة هي الكتب التي “مجّدت” قوة التفكير الإيجابي، كما أنّ سوقها لم ينحسر على مرّ السنين، فقد بيعت عشرات الملايين من المؤلفات لكتّاب أمثال جوزيف مورفي ونورمان فينسنت بيل ونابليون هيل وروندا بيرن. وقد تبيّن بعد التدقيق فيها، أنها مجرّد سرد لروايات عن “معجزات” يزعم مطلقوها أنها حدثت من جرّاء التفكير الإيجابي.

ولكن ماذا عن جميع هذه الشهادات الداعمة لقانون الجذب والأحداث السعيدة التي تطرأ على حياة الأشخاص من خلال اعتماده؟ ألا يمكننا أن نفوّت علينا الفرص لأننا ببساطة نرفض الإيمان به واعتماده ؟

في الواقع، لقد أحيط هذا المفهوم بالكثير من الجدل ولم يتمّ اثباته علميًا، بحيث اعتقد الباحثون أن التفيكر الإيجابي وحده لا يجذب الأمور بسحر ساحر.

قانون الجذب مستوحى من مبادئ الكهرومغناطيسية حيث تتنافر الشحنات السلبية وتجذب الشحنات الإيجابية

ويقول إيف ألكساندر تالمان: “كون قانون الجذب مستوحى من مبادئ الكهرومغناطيسية حيث تتنافر الشحنات السلبية وتجذب الشحنات الإيجابية، قد يكون مفيدًا لإلهامنا وزيادة العمل لتحفيزنا نحو تحقيق أهدافنا، لكنه ليس بديلاً عن الجهد الحقيقي والتخطيط العقلي”.

في دراسة أعدّها غابريال أوتينغن بهدف مقارنة النتائج التي يمكن تحقيقها من خلال مختلف أنماط التفكير الإيجابي التقليدي، جرى تطبيقها من خلال ما يسمى بـ “تصوّرات إبداعية”، حيث قُسّم المشاركون إلى ثلاثة أقسام، وطلب من أعضاء الفريق الأول رسم أهدافهم بأدق تفاصيلها والتخيّل بأنها قد تحقّقت بالفعل، والشعور مسبقًا بالرضا عنها، على نقيض الفريق الثاني الذي طلب من أعضائه أن يفكّروا في كل ما قد يعرقل تحقيق أحلامهم، ودعا الفريق الثالث إلى تصوّر النجاح، والتفكير في عقبة قد تمنعه من تحقيقه.

وخلص أوتينغن إلى أنّ الطريقة الثالثة هي الأكثر نجاحًا، سواء تعلّق الأمر بامتحان أو وظيفة أو زواج أو فقدان الوزن أو الإقلاع عن التدخين … ورأى “ان القدرة على تصوّر عقبة محتملة وسبل التغلّب عليها هي مسألة منطقية، كما أنّ التمتّع بتصوّر النجاح يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على المزاج، وأنّ رفض التفكير في المشكلات المحتملة لا يقدّم مساعدة في حال وجود عقبة حقيقية”.

يدين أنصار “قانون الجذب” التفكير في عقبة محتملة لأنه سينعكس سلبًا على قانون المرء”

وفيما أدان أنصار “قانون الجذب” التفكير في عقبة محتملة لأنه “سينعكس سلبًا على حياة المرء”، دعا علم النفس الإدراكي، إلى اعتماد “استراتيجية التفكير والتأقلم مع الصعوبات، مع خطة عمل مدروسة تكون بمثابة خارطة طريق للوصول إلى الهدف”.

مما لا شكّ فيه أنّ التفكير الإيجابي، حتى لو لم يساهم في جلب الأحداث السعيدة لأنصاره إلا أنه قد يساعد على الاسترخاء والانفتاح على العالم الخارجي والتغلّب على الأفكار السوداوية، ويبقى الأهم هو أن نبني آمالنا على أسس واقعية وأن نكون متفائلين إزاء التحدّيات التي نواجهها.

المقال السابق
جدّد دماغك بالتعلّم حتى لو بلغت من العمر...عتيًّا
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية