من الطبيعي أن يثير الحكم القضائي الإشكالي ضدّ الزميلة ديما صادق ضجّة ويجرّ استنكارات ويستولد استياءً، فهذه السيّدة، وبسبب وضوح آرائها، جذبت تأييد المعجبين تمامًا كما استقطبت هجوم المنزعجين!
لو كنّا في دولة تعتمد المحاسبة والمساءلة في مقاربة مواقف القوى والأحزاب والشخصيات السياسيّة، لكنّا ناقشنا الحكم ضد صادق من الناحية القانونية، فأيّدناه أو رفضناه، ولطالبنا محاسبة القاضي أو مكافأته، ولباركنا النص القانوني أو لعنّاه.
لكنّنا لسنا هنا، فنحن في دولة الفوضى السياسيّة، حيث تفعل الطبقة السياسيّة ما يحلو لها وتقدم على ما يناسبها، من دون أن تُعير أيّ انتباه الى أيّ مقياس وطني ودستوري وثقافي وفكري ومبدئي. و لا يجد هؤلاء من يتصدّى لهم سوى حفنة من الإعلاميّين والمثقفين والناشطين، تشكل ديما صادق نموذجًا صارخًا عنهم.
ومن يدقق بأدبيات “التيّار الوطني الحر”، في الفترة التي أطلقت فيها ديما صادق توصيف “النازية” ضدّه، يتخيّل له أنّ مسؤولي هذا “التيّار” يستحيل أن يكونوا بالوقاحة التي تدفعهم الى مقاضاة صادق على ما كتبته، إذ إنّ أدبيات هذا التيّار تصاعدت وتيرتها إلى مستويات تُخجل أيّ عامل في الشأن العام، نظرًا لما أثارته من حساسيات وطنية وشخصية وأخلاقية وثقافية!
وليس سرًّا أنّ ل “التيّار الوطني الحر” جيشًا إلكترونيًّا سيّئًا للغاية، بحيث لا يلتزم بأيّ معيار أخلاقي في أدائه، وهو يدافع عن نفسه وعن طموحاته ويهاجم خصومه. وهذا “التفلّت”، وفي مرحلة التحضير لإعادة وصل العلاقات مع “حزب الله”، دفعت، قبل أيّام قليلة، بالرئيس ميشال عون نفسه إلى نهر نهج مؤيّديه، إلى درجة دفعته الى إعلان الخجل منه!
بالمعايير القانونية المثاليّة يمكن مناقشة صحة الحكم الصادر ضد ديما صادق، ولكن في ظل غياب الحد الأدنى من المعايير في نهج “التيّار الوطني الحر” وأمثاله من القوى والأحزاب والتيّارات اللبنانية، فإنّ الحكم الصادر ضد ديما صادق، وقبله ضدّ آخرين لم يثيروا ضجّة مماثلة، ليس سوى مسخرة إضافية تضاف الى العبث اللبناني الذي لا بدّ من التصدّي له والوقوف في وجهه!