"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

درس يحيى السنوار...الإيراني!

رئيس التحرير: فارس خشّان
الاثنين، 21 أكتوبر 2024

في نهاية فيلم “الساموراي الأخير” يطلب الأمبراطور الياباني، خلال استقباله الضابط الأميركي الذي كان قد انشق عن جيشه وانضم الى مجتمع المحاربين اليابانيين القدامى، أن يخبره كيف مات قائدهم في المعركة الأخيرة التي قادها بالسيف ضد السلاح المتطور الذي وصل من الغرب الى يد الجيش الياباني، فأجابه هذا الناجي الوحيد من الموت:” لن أخبرك كيف مات، بل كيف عاش”!

تذكرتُ هذا المشهد من ذاك الفيلم الذي يلعب فيه النجم الأميركي توم كروز دور الضابط الأميركي المنشق، في تلك اللحظات التي بدأ فيها نشر صور جثمان زعيم “حماس” يحيى السنوار، وهي مستلقية بين ركام مدينة رفح المدمّرة، محاطة بمجموعة من الجنود الإسرائيليين.

وكان السؤال الصاخب يتمحور حول نقطة واحدة: كيف اقتنع هذا القائد المخضرم الذي بدأ، وكان لما يزل في العشرين من عمره، رحلة نضال شائك قادته ثلاث مرات الى المعتقلات، بأنّه قادر على أن يهزم إسرائيل، بكل جهوزيتها العسكرية والأمنية، وبكل ما تقيمه من علاقات دولية؟ هل كان واقعيًا؟ حالمًا؟ موهومًا؟ أو مخدوعًا؟

بعد مراجعة خطاباته، منذ أيار 2021، وقد جاءت، إثر انتهاء “حرب خاطفة” بين غزة بقيادته وبين الجيش الإسرائيلي، ظهر لي أنّ ثقته بقدره لم تكن وليدة إيمان بقضيته فحسب، بل كانت نتاج “إيهام”، أيضًا.

على الرغم من إصراره على توصيف “أبو عمّار” بالقائد التاريخي للشعب الفلسطيني إلّا أنّ السنوار لا يبدو أنّه تعلّم من خيبات ياسر عرفات، وهي التي قادته بالمحصلة الى أوسلو، شيئًا. لم يستطع، وهو الذي تنقل بين الجبهات و”مكافحة التجسس” والسجون، أن يفكك لا خفايا الجهات التي استند إليها ولا حقيقة إسرائيل.

كان واثقًا إلى حد الجزم، بأنّ المخطط الذي سهر على وضعه، لسنوات، سيعينه على تحقيق الحلم التاريخي للفلسطينيين. الجمهورية الإسلامية في إيران أقنعته بذلك. وفرت له، كما قال أهم سند، من خلال التسليح، والتمويل، والدعم، والوعد. أعادت وصل ما انقطع بين “حماس” و”حزب الله” و”سوريا- الأسد”، وبنت له “جندًا” في اليمن والعراق.

وقبل سنة واحدة على الهجوم على غلاف غزة في السابع من تشرين الأول 2023، كان إيمانه مطلقًا بما أطلق عليه السنوار نفسه اسم “محور القدس” في إشارة الى “محور المقاومة”. كان مقتنعًا بأنّ الأنظمة العربية “اللاهثة الى التطبيع” لا تمثل الشارع الإسلامي على الإطلاق، إذ إنّ هذا الشارع هو مع “القوى الحية” التي يتشكل منها “محور القدس”.

كان في الفترة بين إعلان حرب “طوفان الأقصى” ووضع اللمسات الأخيرة على هجوم السابع من أكتوبر قد اقتنع، بشكل لا لبس فيه، بأنّ “وحدة الساحات” التي هندستها إيران وموّلتها وسلّحتها وأوجدت لها متطوعين في إيران نفسها، قادرة على صناعة شرق أوسط جديد، كما ارتأى له وأسهب في الحديث عنه، في خطاب ألقاه في السادس والعشرين من أيار2021.

لم يخفِ يحيى السنوار ما كان يحلم به. قاله، بشكل علني، مرارًا وتكرارًا. كان على يقين بأنّه، حين تقرر غزة أن تفتح حربًا على إسرائيل، فإنّ طوفانًا إسلاميًّا سوف يغرقها ويزيلها من الوجود.

تخيّل يحيى السنوار الآتي، وقاله بلسانه ومن على منابر غزة، أكثر من مرة: عندما تهاجم غزة جنوب إسرائيل، سوف تنهض القوى الحيّة في الضفة الغربية وتهاجم المستوطنات الإسرائيلية فيها، فيما سيبدأ أكثر من مليون فلسطيني من “عرب 48”، تظاهرات صاخبة تشل وسط إسرائيل كليًّا، ويخرج من بين هؤلاء عشرة آلاف “استشهادي” ويهاجمون، بما تملك أياديهم، في كل زاوية ومكان. في هذا الوقت، تجتاح “جماهير شعبنا وأمتنا عبر الحدود وتتدفق كالسيول الجارفة لتقتلع الكيان الصهيوني، وتنطلق كل قوى المقاومة في المنطقة، كل القوى الحية، لتدك هذا الكيان بأقصى وأقوى ما لديها من قوة”.

وهكذا، تخيّل يحيى السنوار أنّه حين يصبح هو جاهزًا سوف “تغرق إسرائيل بجنود بلا حد”، بضمانة “الجمهورية الإسلامية في إيران” و”سوريا الأسد” و “حزب الله” و”الحوثيين” و”الحشد الشعبي” في العراق.

ولم يكن عن عبث أنّ السنوار سمّى الحرب التي بدأها ضد إسرائيل في ذاك السابع من أكتوبر بـ “طوفان الأقصى”. كانت التسمية مجرد توصيف للخطة التي رسمها ووافق عليها، بشكل مسبق، “محور القدس”.

من دون شك، نفذ زعيم “حماس” باتقان كل ما كان هو مسؤولًا عنه. هجومه على جنوب إسرائيل كان صاعقًا، بكل ما للكلمة من معنى، وصمود مقاتليه في غزة، أخبر عن نفسه.

ولكن، عندما حانت “ساعة الحقيقة” اكتشف أنّ حساباته كانت في مكان وحقيقة الآخرين، كانت في مكان آخر. لا الضفة الغربية تمكنت من أن تلاقي طموحاته، ولا فلسطينّيي 48 كانوا على الموعد، ولا الحدود قد فُتحت، ولا “محور القدس” دك إسرائيل بأقوى ما يملك، ولا سوريا- الأسد كانت موجودة، ولا إيران الخامنئي تخلّت عن شعار “الصبر الإستراتيجي”، ولا “جماهير شعبنا وأمتنا” تدفقت كالسيول الجارفة، ولم يكن هناك “جنود بلا حد”.

لحظات حياته الأخيرة، قد تكون اختصرت رهاناته الخائبة على الآخرين. وهو جالس على الأريكة في المنزل المخرّب، يعاني من آلام اليد المقطوعة، التقط قطعة كانت بالقرب منه، ورماها على المسيّرة التي كانت تصوّره لمصلحة الدبابات التي قصفته. كان يأمل أن يؤدي سلوكه العدائي تجاه المسيّرة الاستطلاعية، وفق ما يعرف عن آليات عملها، إلى أن تطلق النار عليه، وتريحه من آلامه، ليس الجسدية فحسب، بل المعنوية، أيضًا.

في اللحظات الأخيرة من حياته، أراد يحيى السنوار أن يخلّد نفسه في صورة ذاك الذي يقول لمن عاهدوه: تبًّا لكم!

المقال السابق
ماكرون يتخطّى الانتقادات ويعاود الاتصال بنتنياهو
رئيس التحرير: فارس خشّان

رئيس التحرير: فارس خشّان

مقالات ذات صلة

لماذا تهوّل فرنسا علينا بحرب أهلية "وشيكة"؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية