"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

دلالات تفاقُم الأزمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل

الرصد
الخميس، 28 مارس 2024

دلالات تفاقُم الأزمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل

غابي سيبوني- كوفي ميخائيل

للمرة الأولى منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، امتنعت الولايات المتحدة من فرض الفيتو على اقتراحَي قرارَين طُرحا على مجلس الأمن في الأمم المتحدة للموافقة. صحيح أن القرارَين اللذين اتُّخذا غير مُلزمَين لأنهما لم يكونا ضمن البند السابع في وثيقة الأمم المتحدة، الذي يفرض تطبيق القرار عبر فرض العقوبات، لكن في جميع الأحوال، المقصود سابقة خطِرة وإشكالية في سلوك الولايات المتحدة إزاء الحرب ضد “حماس” عموماً، وإزاء كل ما له علاقة بمنظومة العلاقات مع إسرائيل خصوصاً. علاوةً على ذلك، هناك دول استفادت كثيراً من القرار. لقد أعلن رئيس كولومبيا غاستافو بيترو قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، إذا لم تطبّق هذه الأخيرة القرار.

وفي الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي تمتنع فيها الولايات المتحدة من فرض الفيتو على قرار في مجلس الأمن ضد إسرائيل. لقد سبق أن امتنعت من استخدام الفيتو ضد القرار 2334 ضد المستوطنات، والذي اتُّخذ في كانون الأول/ديسمبر 2016، خلال فترة ولاية الرئيس باراك أوباما. لكن هذا جرى في أواخر ولاية رئيس ديمقراطي، وليس في أثناء الحرب. وعندما نقارن هذا بما حدث، ندرك أن ما جرى هو خطوة أميركية غير مسبوقة من حيث خطورتها، وهو ما يدل على خطورة الأزمة بين البلدين، وخصوصاً بين الرئيسين.

الولايات المتحدة قصدت بامتناعها إضعاف إسرائيل وإنضاج الظروف لفرض وقف الحرب بواسطة صفقة تحرير المخطوفين ووقف إطلاق نار مستمر، تتخلله مراحل من وقف النار وإطلاق المخطوفين، بينما الهدف الواضح هو وقف الحرب، حتى لو كان الثمن عدم تحقيق أهداف الحرب كما حددتها الحكومة الإسرائيلية، وأيّدتها الولايات المتحدة.

إذا كان هناك مَن يشكك في ماهية قرار امتناع الولايات المتحدة من استخدام الفيتو، وفي دلالاته وإشكالياته، فيكفي أن يستمع إلى ترحيب “حماس” بالقرار، ومجرد هذا الترحيب يدل على أن القرار يصب في مصلحتها، وبواسطته، يمكنها الدفع قدماً بأهدافها، لذلك، هو بالتأكيد قرار سيئ بالنسبة إلى إسرائيل، ويُلحق الضرر بمصالحها الحيوية.

هناك مَن يربط القرار الأميركي باعتبارات داخلية لها علاقة بحملة الانتخابات الرئاسية للرئيس بايدن، وأنه من أجل استرضاءالناخبين المسلمين والتقدميين، وذلك في ضوء وضع بايدن الصعب والانتقادات اللاذعة الموجهة إليه وإلى إدارته بسبب دعمهما إسرائيل. وهناك مَن يعزو ذلك إلى الاستياء العميق وخيبة الأمل اللتين يشعر بهما الرئيس والإدارة حيال سلوك الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، والمماطلة والامتناع من مناقشة “اليوم التالي للحرب”، وقبل كل شيء، تحدي الإدارة الأميركية والرئيس بايدن نفسه. من المعقول أن تكون هذه عوامل مؤثرة، لكن يبدو أن هناك أسباباً جوهرية أكثر، تتعلق بالرغبة الأميركية في تحقيق إنجاز سياسي مهم، قادر على الدفع قدماً برؤيا الهندسة الإقليمية الجديدة المضادة للمحور الإيراني، ومنع توسُّع الحرب إلى حرب إقليمية، وتفادي المواجهة المباشرة مع إيران، وتجنُّب الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، والمشاركة الواسعة من الجنود الأميركيين في الحرب في الشرق الأوسط.

إن حجر الزاوية في هذه الرؤيا، أو الاستراتيجيا الأميركية، هي وقف الحرب في غزة بصورة تتضمن ترميم السلطة الفلسطينية وإعادتها إلى قطاع غزة، والدفع بفكرة الدولتين. وفي نظر الأميركيين، سيسمح وقف الحرب بإنهاء القتال في الشمال ضد حزب الله، والمواجهة مع الحوثيين.

وبما أن وقف النار في القطاع هو حجر الأساس في هذه العملية كلها، فإن الولايات المتحدة مستعدة لفرض وقف الحرب على إسرائيل، حتى لو كان الثمن عدم استكمال أهداف الحرب وتفكيك المنظومتين الحكومية والعسكرية لـ”حماس” في قطاع غزة. يبدو أن فرضية العمل الأميركية هي أن “حماس” لن تبقى هي السيد في القطاع بسبب عودة السلطة الفلسطينية، أو جهة من طرفها، إلى قطاع غزة.

من المشكوك فيه أن يعتقد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية حقاً أن هناك إمكانية لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وفي إمكان أن تعمل السلطة كحكومة فعالة في القطاع. ويمكن الافتراض أن تأليف حكومة تكنوقراط في السلطة الفلسطينية هو نوع من ذرّ الرماد في العيون، ولن يؤدي إلى الدفع قدماً بإصلاحات مهمة في السلطة الفلسطينية. بناءً على ذلك، من الصعب عدم التعامل مع القرار الأميركي بشأن عدم استخدام الفيتو على أنه يدل على أمر أعمق، وهو يذكّر بمنع إسرائيل في نهاية حرب يوم الغفران [حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973] من تدمير الجيش المصري الثالث.

وفي الحالتين، يبدو أن الدافع واحد، وهو عدم السماح لإسرائيل بتحقيق الانتصار، واستمرار النزيف أعواماً طويلة، وهو ما يعمّق اعتمادها على الولايات المتحدة، ويحدد واقع العلاقة بين المدير والزبون. من المحتمل أننا هنا أمام اعتبار استراتيجي عميق وبارد ووحشي، الغرض منه ضمان المصالح الأميركية، حتى لو كان الثمن التضحية بمصالح حيوية بالنسبة إلى إسرائيل. وإذا كانت هذه الاعتبارات هي التي توجه سلوك الولايات المتحدة، فإنه سلوك يدل على عدم فهم عميق لِما يجري في الشرق الأوسط، وسيدفع كثيرون في المنطقة أثمانه الباهظة، بمن فيهم الحلفاء المقربون.

إن القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة يشكل ضربة قوية لمحاولات واشنطن الدفع قدماً بالهندسة الإقليمية التي تعتمد على السعودية، وعلى دول اتفاقات أبراهام. فإذا تخلت الولايات المتحدة عن حليفتها الرئيسية في الشرق الأوسط، ماذا يجب أن يفهم حلفاؤها الآخرون بشأن التزاماتها حيالهم؟

لقد حاولت الولايات المتحدة تشجيع قيام حلف دفاع ثلاثي مع السعودية وإسرائيل، لكن الآن، وبعد أن أصبح هذا حلماً بعيد المنال، ووضع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في مواجهة وضع صعب، وبينما “حماس” توشك على التخلي عن مكانتها كجهة مسيطرة على قطاع غزة، فإن ما جرى مؤخراً نفخ رياحاً قوية في أجنحة محور المقاومة بكافة مكوناته، وخصوصاً زعيمة المحور إيران، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الإخوان المسلمين وسائر التنظيمات الجهادية.

للقرار الأميركي تأثير مباشر في حوافز “حماس” على الدفع بصفقة مخطوفين. ترى “حماس” أن الضغط يزداد على إسرائيل وكل ما يجب القيام به هو الاستمرار في تأجيل ردها ورفع الثمن. الضغط الأميركي على إسرائيل من أجل منعها من القيام بعملية في رفح يعطي قيادة “حماس” في القطاع دفعاً قوياً، ويرسّخ الدعم الشعبي والسياسي للحركة، كما يعزز محور المقاومة، ليس فقط في غزة، بل في لبنان، وفي إيران خصوصاً.

الإنجاز الوحيد للأميركيين هو المسّ برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتعميق الشرخ بينهم وبينه، انطلاقاً من التقدير أن تفاقُم الأزمة يمكن أن يؤدي إلى انتخابات في إسرائيل، وإلى تأليف حكومة أكثر قرباً من الأفكار الأميركية…

لقد أخطاً الأميركيون في فهم المجتمع والسياسة في إسرائيل، وهو أمر شديد التعقيد حتى بالنسبة إلينا كإسرائيليين. لقد فشلوا في فهم الجدلية الحالية في السياسة الإسرائيلية، وهي أنه إلى جانب النقد اللاذع لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو من جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي، هناك أيضاً إجماع واسع جداً على أهداف الحرب وضرورة تحقيقها، ومعارضة واسعة جداً لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وعدم ثقة عميقة بالفلسطينيين، وبمشروع حل الدولتين. كما أن أغلبية معارضي نتنياهو تقف ضد التدخل الأميركي الصارخ في السياسة الإسرائيلية، وضد محاولات فرض وقف الحرب على إسرائيل قبل تحقيق أهدافها.

بناءً على ذلك، من المنطقي الافتراض أن الخطوات الأميركية لن تحقق التغيير المراد في السياسة الإسرائيلية، بل على العكس، ستزيد في التأييد لنتنياهو الذي سيعتبر أنه يدافع عن المصالح الإسرائيلية وعن الكرامة الوطنية من خلال إصراره على تحقيق أهداف الحرب، حتى لو كان الثمن تفاقُم المواجهة مع الإدارة الأميركية التي يشعر الإسرائيليون أنها تبتعد عن إسرائيل، وعن التأييد الذي أظهرته لأهداف الحرب في الأشهر الأولى، وبأنها لا تتعامل مع إسرائيل على أنها حليفة لها.

معهد “مسغاف” للأمن القومي والاستراتيجيا الصهيونية

المقال السابق
مسؤول إسرائيلي كبير: عودة سكان الشمال إلى منازلهم تتطلب حربا برية

الرصد

مقالات ذات صلة

مجزرة تدمر... ردّ إسرائيلي على "الحشد" العراقي أم رسالة لدمشق؟

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية