لم يتعب الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي في محاولة احتواء مضاعفات انتهاء و لاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وكانت مساعيهما المدعومة من قوى سياسية ومرجعيات روحية ومالية للتمديد لسلامة قد اصطدمت بفيتو لبناني وخارجي، والإشارة الأخيرة في هذا السياق أتت من الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، إذ نُقل عنه أن فرنسا ودولاً أوروبية عدة تعتبر أي محاولة للإبقاء على الحاكم الحالي في منصبه أمراً مضرّاً بعلاقات لبنان معها وإشارة سلبية إزاء الإصلاحات المطلوبة، ولامبالاة بالإجراءات القضائية الأوروبية ضد الحاكم. كذلك كلّفت عواصم أوروبية سفراءها في لبنان إبلاغ المعنيين بأنها «لن تسكت على أي محاولة لإبقاء سلامة في منصبه».
بناءً على ذلك، انتقلت مساعي بري وميقاتي إلى مربع تعيين حاكم جديد، وقد جرى التداول في عدد من الأسماء أمس، بينها ثلاثة مرشحين علنيين لرئيس الحكومة هم: كريم سعيد (شقيق النائب السابق فارس سعيد، وهو مقيم خارج لبنان ولديه أعمال في أوروبا) وسمير عساف (مصرفي مقرّب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طُرح اسمه أكثر من مرة لهذا المنصب) وكميل بو سليمان (مثّل القوات اللبنانية سابقاً كوزير للعمل، ويقول إنه يحظى بدعم أميركي لوصوله إلى منصب الحاكم). كما تردّد مساء أمس اسم الرئيس السابق لجمعية المصارف جوزيف طربيه كمخرج في حال رُفض المرشحون الثلاثة أو هم رفضوا المنصب، بذريعة أن لطربيه علاقات قوية بالقطاع المصرفي، ويمكن أن يتعاون في إدارة جديدة لمصرف لبنان وفق المقرّبين من ميقاتي.
مرحلة التصعيد في ما خصّ التعيين دشّنها الرئيس برّي بالإعلان عن جلسة وزارية غداً لتعيين حاكم جديد للمصرف. وأتى الإعلان، غداة إعطاء نواب الحاكم الأربعة الرئيس ميقاتي مهلة يومين لإيجاد حل يضمن إقرار سلّة من القوانين لتشريع تمويل الدولة وإعادة هيكلة المصارف و«الكابيتال كونترول» والبتّ في مصير منصة صيرفة، وإلا الذهاب إلى استقالة جماعية أو استقالة نائب الحاكم الأول وسيم منصوري.
وفي هذا الإطار، أتت زيارة رئيس الحكومة أمس لعين التينة لـ«البحث في الحلول المتاحة ومحاولة إقناع بري بالموافقة بعد استقالة منصوري والنواب الآخرين على استمرارهم في تسيير المرفق العام مع تأمين تغطية قانونية لهم، إذ لا يحتمل البلد الدعوة إلى جلسة لتعيين بديل من سلامة في ظل الانقسام والأجواء المتوترة، كما أن انعقاد الجلسة لن يكون مضموناً في ظل رفض حزب الله التعيين، وانضمام الوزير السابق سليمان فرنجية إلى هذا الموقف أيضاً». إلا أن ميقاتي اصطدم بإصرار بري ورفضه تسلّم منصوري مهام الحاكم حتى لو كان هذا ما ينص عليه قانون النقد والتسليف، كونه لا «يزال متخوفاً من انفجار كرة النار في وجه الحاكم الأول وتحميل مرجعيته السياسية كل الموبقات والتبرؤ من الانهيار ورميه كله على كاهل طائفة واحدة، مع وجود هواجس من وجود مخطط لتفجير الوضع حتى لو التزم النواب الأربعة سياسة سلامة بالحرف». وكانت لافتة يومَ أمس مسارعة عين التينة إلى تسريب خبر الجلسة، قبلَ أن يعود بري ويعلِن عنها في حديث مع قناة «الحرة»، وهو قال إن تعيين حاكم جديد هو البند الوحيد على جدول أعمالها، بينما أشار البيان الذي أعلنه الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية إلى أن «الجلسة مخصّصة لمتابعة البحث في مستجدات الوضعين المالي والنقدي».
ومساء أمس، استدعى ميقاتي النائب الأول للحاكم للبحث معه في إمكانية تأجيل قرار الاستقالة المفترض صباح غد الخميس إلى ما بعد جلسة الحكومة، لأن مجلس الوزراء سيحاول تعيين بديل، وأنه في حال تعذّر ذلك، ستتقدم الحكومة من مجلس النواب بمشروع قانون لتغطية استخدام مصرف لبنان نحو 200 مليون دولار شهرياً من الاحتياطي الإلزامي لتغطية عمليات صيرفة التي تتعلق حصراً بموظفي القطاع العام، وأن يكون القانون سارياً لمدة تراوح بين ثلاثة وستة أشهر. كما طلب ميقاتي عقد اجتماع جديد صباح اليوم مع نواب الحاكم.
ولم تتوقف الاتصالات حول هذا الملف حتى ساعات ليل أمس، وستستمر حتى صباح غد الخميس، بعدما تبين أن العوائق كثيرة أمام التعيين، أبرزها رفض حزب الله وتيار المردة تعيين حاكم بديل في ظل الظروف الحالية، فيما بدا المشهد السياسي أكثر ضبابية مع عدم وجود مؤشرات إلى إمكانية الوصول إلى حل، أو الذهاب إلى «ميني تسوية» محصورة بالحاكمية، في ظل تمسك كل طرف برأيه. وعُلم أن بري وميقاتي عملا طوال ساعات ليل أمس، على خطَّي البطريرك الماروني والقوات اللبنانية من جهة، وعلى خط حزب الله وسليمان فرنجية من جهة ثانية، للتوصل إلى حل.
وتقاطعت المعطيات حول صعوبات كبيرة تواجه مسعى بري وميقاتي، وعرض متابعون بعضها بالآتي:
أولاً، وجود خلافات عميقة بينَ نواب الحاكم الأربعة، إذ لم يتفق هؤلاء على الاستقالة الجماعية. الثابت الوحيد أن استقالة منصوري باتت محسومة. لكنّ الأخير حسم أنه لن يهرب من تحمل المسؤولية بتصريف الأعمال في حالة الاستقالة أو عدم تعيين حاكم جديد. وهو موقف بقية النواب الأربعة أيضاً.
ثانياً، تعطّل محاولات بري وميقاتي لتأمين غطاء مسيحي من البطريرك بشارة الراعي والقوات اللبنانية لتغطية تعيين بديل من سلامة، علماً أنهما لم يعارضا المبدأ، لكن الغطاء لن يكون كافياً بسبب معارضة القوى الأساسية (التيار الوطني الحر وحزب الله) في الحكومة للتعيين.
ثالثاً، الفشل في الحصول على غطاء من رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية أو حتى التزام حضور وزرائه أي جلسة حكومية لتعيين البديل. وعُلم أن فرنجية نسّق مع حزب الله ليكون موقفهما واحداً في جلسة غد الخميس، خصوصاً أن الحزب أبلغ رئيس الحكومة أنه لا يزال متمسكاً بموقفه الرافض أن تعيّن الحكومة الحالية حاكماً جديداً للمصرف، وهو سيناقش حضور الجلسة والاعتراض من داخلها أو مقاطعتها بالمطلق.
رابعاً، تحذير التيار الوطني الحر من «تمادي حكومة تصريف الأعمال المستقيلة في ضرب الميثاق ومخالفة الدستور، فالشغور في منصب حاكم المصرف المركزي يُعالجه قانون النقد والت سليف»، بحسب بيان للهيئة السياسية للتيار أمس، مشيرة إلى أن «المخرج هو بتعيين حارس قضائي. وفي جميع الأحوال، من غير الجائز بقاء رياض سلامة بأي صيغة كانت ولا الاستمرار بسياسته».
وأمام التوازنات القائمة لا يبدو أن الحل سيكون في متناول أحد، ما يعني أن يوم غد الخميس سيكون اليوم الحاسم.
(الأخبار)