"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

ضاع العمر هباء؟!

كريستين نمر
الثلاثاء، 5 ديسمبر 2023

ضاع العمر هباء؟!

تابعوا “نيوزاليست” على “واتس آب”

من منّا، لم يخطّط، وهو في ريعان الشباب، لحياة استثنائية، يعيش خلالها في “تبات ونبات” ليستيقظ، وقد بلغ سنًّا معيّنةمع شعور مبهم بأنّ الحياة لم تكن على قدر أمنياته ومخطّطاته، فيبدأ بمعاملة نفسه على أساس أنّه فاشل وأهدر حياته هباء، على الرغم أنّ المعطيات الموضوعيّة تبيّن أنّه ناجح مهنيًّا واجتماعيًّا وعائليًّا!

لماذا يحصل ذلك؟ وما هو الدافع وراء هذا التقييم الخاطئ ل “حصاد العمر” وبالتالي ما هو الفشل؟

لقد اهتمّ علم النفس كثيرًا بهذه الظاهرة الإنسانيّة التي ندر أن نجا منها أحد، وقد توصل العلماء الى نتائج أعانتهم على تقديم حزمة من النصائح.

وفي هذا الإطار، ينصح هؤلاء العلماء، جميع من يقعون في فخ التقييم القاسي للذات، ومن أجل النهوض بسرعة من الكبوة التي يمكن أن يكون لها أخطر التداعيات، بوجوب الخضوع لعلاج “المراحل الثلاث”.

ويتضمن هذا “العلاج” إفهام الشخص لنفسه بالمعطيات الثلاثة الآتية:

أولاً: فهم الفشل للتمييز بين الحقيقي والموهوم

يقع الكثيرون ممّن يحكمون على أنفسهم بالفشل في فخ المقارنات، فهم لا يقيّمون أنفسهم موضوعيًّا بل يسارعون الى إجراء مقارنات مع ما هي عليه ظاهر حال الآخرين. وهذا بالتحديد ما سبق للفيلسوف الوجودي جان بول سارتر أن اكتشفه قبل أن يكتب حكمته الخالدة ” الجحيم هو الآخرون”.

وتقول الاختصاصية في علم النفس كليمانس بروك إنّ ” المقارنة بالآخرين تبعث في نفس المرء شعورًا بالفشل، وهذا يعني أنّ على الإنسان الذي يقع في فخ المقارنة، ولينجح بنفسه، أن يعزل وضعه عن وضع الآخر، بحيث، وقبل الحكم، على نفسه بالفشل وعلى الآخر بالنجاح، أن يقوم ب “جردة حساب” بما حققه وأن يتعمّق بمعرفة ما هي عليه حقيقة وضع هذا الآخر، لأنّ التجاري بيّنت أنّ ” ليس كل ما يلمع ذهبًا”

ولكن هذا لا يعني أنّ كل مشاعر الفشل هي ” سطحية” فأحيانًا قد تكون حقيقيّة ولا بد من المسارعة الى تجاوزها، من خلال التسليم بها ومحاولة معرفة أسبابها.

وتُرجح سارة فاندكاستيل، المتخصصة في ما يطلق عليه اسم “علاج السعادة” أنّ بعض من ينتابهم الشعور بالفشل هذا لم يخطئوا في حياتهم، إنما بالرغبة التي قدّموها”، وتشرح قولها: ” من البديهي أن نرسم في مرحلة الطفولة أمنيات ونضعها في مرتبة الطموحات مثل أن نتزوج ويكون لنا أسرة، ولكن مع بلوغ الأربعين ورؤية الآخرين وقد حققوا ذلك، نحكم على أنفسنا بالفشل”.

ما تصفه بروك ب ” ردود أفعال بدائية” يمكن تجاوزه، من خلال إعادة تقييم الأسباب التي دفعتنا فعلًا الى عدم تحقيق هذه الأحلام التي لم يتم تأسيسها على قاعدة الظروف الذاتية للحياة بل على أساس رؤية الآخرين لما يجب أن تكون عليه هذه الحياة. وحياة المرء الناجح فعلًا لا تبنيها إملاءات “بدائية” بل تفاعلات مع الوقائع.

إنّ عدم الزواج، في بعض الأحيان، يكون خيارًا ذاتيًّا وله أسباب قد تكون، احيانًا، صحيحة لعدم تحوّل الحياة الى جحيم، على اعتبار أنّ ما يمكن أن يسعد البعض ليس بالضرورة أن يسعدك أنت بالذات!

“لا نفشل في حياتنا، بل نفشل في الرغبة التي قدمناها”

ثانيًا: مواجهة الفشل

إنّ الحكم على النفس بالفشل يرتد سلبًا على المرء، إذ يُفقده ثقته بنفسه ويقلّل من قيمته واحترامه لذاته، فيدخله في دوامة مدمّرة، فالشعور بالفشل يستدعيه شعور بالعجز يساهم في “تشويه صورته لذاته، وقد يؤدي لدى الكثيرين إلى الانتحار”، وفق ما تحذّر كليمانس بروك.

ولهذا، فلا بدّ من اتباع القواعد الموجودة في النقطة السابقة، من أجل التخلص بسرعة من هذا الشعور.

ثالثًا: الامتنان

تشجّع العالمة النفسية سارة فاندكاستيل على ممارسة الامتنان، وتقول: “لمواجهة هذا الهبوط إلى الجحيم عمومًا ينجر المرء أكثر مما يعتقد بأنّه قد فعله. وللتحقّق من ذلك، أنصح أن ينكب هؤلاء على كتابة رسالة إلى النفس، أي من نفسنا الحالية إلى تلك التي كنا عليها قبل عام، مثلًا، وذلك بهدف إخبارها عن إنجازاتنا، سواء كانت صغيرة أم كبيرة”

ونشرت فاندكاستيل رسالة صاغتها سيّدة كانت قد نصحتها بكتابتها، جاء فيها: قمتُ بتغيير كل شيء بعد أن شعرت بأني أخفقت في كل شيء. أتذكر ما احرزته من انجازات وكذلك أحاسب نفسي على ما اقترفته يداي وأجدني أصل إلى نتيجة. في سن الخمسين، اكتشفت أن حياتي اليومية لا تتناسب مع قيمي ولا مع ما أراه كحياة ناجحة، فقررت تغيير أمور صغيرة شعرت بأنني أخفقت فيها، فبدأت بتخصيص وقت لنفسي، بالسماح مثلًا براحة شهرية، وبالجرأة على رفض الدعوات التي تُثقلني، في مقابلة مضاعفة النشاطات التي تُعجبني، كما قمت بتغييرات جذرية أخرى من دون أن أتحوّل إلى إنسانة مهملة… فوصلت إلى نتيجة حتمية وهي إنني كنت دومًا أحيا في صراع بيني أنا حاليًا، وبين تلك الفتاة الصغيرة التي كنت أعشق شخصيتها، لكنّني اليوم بتّ على يقين بأنني إذا التقيت بها فستكون أخيرًا فخورة بي”.

على أيّ حال، إنّ الشعور بالفشل لا يمكن اعتباره دائماً نهاية طريق، إنما قد يكون محفّزًا وفرصة للارتقاء إلى مرحلة جديدة وواسعة من الإمكانيات التي قد تُفتح أمام المرء، وكما تقول فاندكاستيل: ” على الإنسان أن يكون على دراية ويؤمن بأنه قد أنجز أكثر بكثير مما يعتقد أنه فعل”.

المقال السابق
٧علامات على انخفاض مستويات المغنيسيوم
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية