“إسرائيل هي من ترفض وقف الحرب، أما حزب الله فمن المعقول أن يرفض، لكنه ليس دولة ليقول نعم أو لا، الدولة اللبنانية هي التي تقول نعم أم لا في هذا الشأن”. (وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عبد الله بو حبيب- 9/9/2024)
بعد اجتماع مع دبلوماسيين يمثلون دول مجلس الأمن الدولي، إنعقد في السرايا الحكومي، خرج عبد الله بو حبيب ونطق بهذا الكلام الذي فيه منسوب عال جدًا من السيادة.
كلام جميل جدًا، ولكن من يعرف بو حبيب ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي ترأس هذا الاجتماع الدبلوماسي، يقلب على ظهره من الضحك!
يظن، من يسمع بو حبيب أو يقرأ ما قاله أنّ دولة لبنان ممثلة بحكومتها ومجلسها النيابي، هي التي أعلنت في الثامن من تشرين الأول، أي قبل ما يزيد عن أحد عشر شهرًا الإنضمام الى حرب “طوفان الأقصى”، أو كانت على اطلاع بقرار “حزب الله” توريط لبنان بهذه الحرب على قاعدة “تلاحم الجبهات”. ويتوهم بأن الدولة اللبنانية هي الطرف الذي رفض وقف العمليات العسكرية على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية قبل أن تتوقف في غزة. ويشتبه له بأنّ الأمين العام ل”حزب الله” لم يربط قرار وقف إطلاق النار من الجانب اللبناني بإعلان يصدر عن يحيى السنوار بوقف إطلاق النار في غزة، بل بعبد الله بو حبيب ونجيب ميقاتي.
نحن يستحيل أن نصدق كلمة واحدة ممّا نطق به عبدالله بو حبيب عن أن الدولة اللبنانية هي التي تقرر ما إذا كان قرار وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية، والذي تطالب به، مناسبًا أو لا. ولكنّ السؤال الملح يتمحور حول ما إذا كان عبدالله بو حبيب نفسه يصدّق نفسه!
بطبيعة الحال، إذا كان عبد الله بو حبيب لا يزال بكامل قواه العقلية، يعرف أنّه يتحدث عن حلم بعيد المنال، تراءى له في واحدة من أكثر ليالي الصيف البيروتي حرًّا، لأنّ كل الوقائع تؤكد حقيقة واحدة: قرار الحرب والسلم هو بيد “حزب الله”.
ولم يغب بعد عن ذاكرة اللبنانيين ما سبق أن قاله نجيب ميقاتي، قبل أقل من ثلاثة أسابيع:” ليس لدينا إزاء ما يحصل سوى الصمت والصبر والصلاة”.
يومها، قال ميقاتي إنّه ودولة لبنان يتمتعان بأهلية واحدة حيال “حزب الله”: العجز!
من يدري قد يكون عبد الله بو حبيب، بهذا الكلام، يقدم خدمة ل”حزب الله” بادعائه بأنّ القرار النهائي والحاسم هو بيد الدولة اللبنانية، بعدما استاء الحزب من إصرار ميقاتي، في لحظة جمع فيها كامل جرأته، على إعلان عجزه وحكومته. إستياء قد يكون تكرر لاستياء سابق عندما قال ميقاتي إن قرار الحرب والسلم في لبنان ليس بيده أو بيد الحكومة.
من حقنا، ونحن نعرف كل هذه الحقائق، أن نبحث في خلفية كلام بو حبيب غير الواقعي.
في سياق بحثنا عن الخلفية لهذا الكلام غير الطبيعي، يمكن أن يتراءى لنا أنّ “حزب الله” يقف وراء اجتماع السرايا الحكومي، والطلب من الحكومة أن تتحرك في
مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرار يفضي الى وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية- الإسرائيلية.
“حزب الله”، إذا لم يكن عبد الله بو حبيب “يدلّس”، يكون، والحالة هذه، في وضعية من يبحث عن مخرج من حرب لا تنتهي، وهو الذي وفق ما ترجح كل المعلومات كان يعتقد بأنها لن تكون طويلة. كان يظن بأنها حرب ستنتهي بعد أسابيع فقط لا غير!
ولكن لا أحد يظن ذلك، فلو كان هذا ما يطلبه “حزب الله” لما كان ميقاتي ترك “هذا السبق السياسي” لعبد الله بو حبيب، فهو بحاجة بعدما أهدر “حزب الله” ماء وجهه الى وقفة تعينه على مسح الحياء عن جبينه!
نحن نتمنّى، وهذا ما نسعى اليه بما نملكه من قدرات متواضعة، إلى أن يحل يوم على دولة لبنان تستطيع فيه أن تقول، بكامل وعيها وقدراتها العقلية والدستورية والسياسية، وبصدق، ما قاله بو حبيب!