"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

بطن ملان.. كيف تمام؟!

كريستين نمر
الاثنين، 5 يونيو 2023

I’m hangry، هي مزج مبتكر بين كلمتي Hungry التي تعني جائع وAngry التي تعني غاضب في اللغة الإنكليزية، وما تعكسانه من إحساس يتشاركه العديد من الأشخاص، خصوصًا من الفئة الشبابية، إذ غالبًا ما يشعرون بالغضب أو الانفعال عندما يكونون جائعين.
ولكن هل هو انطباع بسيط، أم حقيقة يمكن التحقّق منها علميًا؟

أراد Viren Swami من جامعة أنغليا – راسكين Anglia-Ruskin,في كامبريدج، وزملاؤه اكتشاف ذلك على وجه اليقين من خلال اختبار أجروه لأول مرة، على ٦٤ متطوّعًا أوروبيًا يتمتعون بصحة جيدة، تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٦٠ عامًا أي بمتوسط ٣٠ عامًا.

Untitled-1019x1024

                         Viren Swami

وتبيّن من خلال الدراسة أنّ ثمّة رابطًا بين الجوع والغضب عند البشر، إذ اعتبروا “أنّ تنظيم العواطف يعتمد على مزاج المرء وطبعه، باعتبار أنّ ما يسمّى بتأثير ego depletion أو استنفاد الأنا، وهي حالة تطرأ على المرء عندما يفتقر دماغه إلى الطاقة كالسكّريات مثلًا، يقلّل من نسبة عمله، ويسبّب المزيد من الصعوبات في السيطرة على ردود الفعل والتحكّم بالعواطف والتركيز، فيولّد التوتّر والإثارة…”

وقد وجد الباحثون في هذا التفسير شيئًا من المنطق، إلا أنهم اعتبروا أن ذلك لا يحصل بمنأى عن الأشخاص، إنما بمحض أرادتهم.

قد حرص Viren Swami وفريقه على الغوص في هذه الدراسة في ظروف حقيقية من خلال متابعة المشاركين لمدة واحد وعشرين يومًا في سياق أنشطتهم اليومية، في المنزل والعمل وعطلات نهاية الأسبوع، وقاموا باستخدام تطبيق متخصّص على هواتفهم الذكية، يطلب من الأشخاص الإجابة لخمس مرات في اليوم وفي أوقات محدّدة، على أسئلة تقيّم جوعهم وغضبهم وتهيّجهم ومتعتهم وإثارتهم، فعلى سبيل المثال، عليهم أن يجيبوا عن الأسئلة الآتية: “على مقياس واحد إلى مائة ما مدى جوعك الآن؟” أو ” ما مدى شعورك بالاستياء أو الغضب أو الحماس؟ ” أو ” إلى أي مدى تشعر حاليًا بالمتعة؟…

وبعد الحصول على ما مجموعه ٩١٤٢ إجابة، تبيّن بأنّ الذين شعروا بالجوع كانوا أكثر غضبًا وهياجًا وأقل تمتّعًا، كما ظهر أن الجوع لم يكن له تأثير كبير على الرغبة الجنسية مثلًا أو على درجة الاستثارة، وبشكل أدق، فقد تبيّن أنّ ٥٦٪ من الأشخاص الذين انتابهم شيء من الغضب والقلق والحزن، كانوا جائعين و٤٨٪ منهم شعروا بنوع من الإثارة الجنسيّة، في حين أنّ ٤٤٪ منهم شعروا بالمتعة!

إذن، بناءً لدراسة Viren Swami، إنّ الجوع هو المسبّب الأول للاضطرابات المزاجيّة، وهو لا يحوّلنا إلى عصبيين عدوانيين فحسب، إنما قد يوقعنا في حالة من الحزن والفراغ والاكتئاب والقلق…أيضًا!

ولكن ما هو تفسير الاختصاصيين لذلك؟

يقول البعض، إنّ نقص السّكر في الدم قد ينشّط مناطق التوتر في الدماغ فيحوّل المرء إلى عصبيّ ومتقلّب المزاج، واعتبروا أنّ النقص المفاجئ في السكر أو “الجلوكوز” في الدم والدماغ، يعيق لدى المرء تنظيم سلوكياته والسيطرة عليها.

Thomas-Horman-2

                               Thomas Horman

وهذا ما أكده توماس هورمان Thomas Horman وزملاؤه من جامعة Guelph الكندية في دراسة أجروها على الفئران تبيّن خلالها أن نقص السكر في دمها جعل مزاجها متقلّبًا، حيث قاموا خلال الدراسة بحقنها ب “جزيّئًا” molecules le 2-désoxy-D-glucose أو 2-DG الذي يحول دون استهلاك الخلايا للطاقة، مما أدى إلى نقص في مستوى السكر في دمها وخلاياها العصبية، بحيث لم تعد تحتوي على ما يكفي من الجلوكوز.

والجدير ذكره أنّ 2-DG هذا، يزيد من تركيز الدم corticostérone، أي هرمون التوتر الرئيسي، ويغير نشاط noradrénaline في منطقة من الدماغ تسمّى “المهاد” وهي كتلة كبيرة تتكوّن منها المادة الرماديّة للدماغ، ومن نشاط dopamine في دائرة “المكافأة الدماغية”، وهذان الأخيران هما ناقلان عصبيّان مرتبطان بتنظيم العواطف والمزاج، والمسؤولان عن تنشيط التفاعلات والتوتّر والقلق والاكتئاب.

ووضع الباحثون القوارض في قفصين منفصلين، وقاموا بإطعامها قبل أن يعودوا ويحرمونها في وقت لاحق من الغذاء، ثم جرى حقن الحيوانات المتواجدة في القفص رقم واحد، بمادة 2-DG بهدف تخفيض نسبة السكر في دمها، في حين تم ّحقن قوارض القفص الآخر بالماء فقط، فظهر بعد مدّة ليست بطويلة سلوك شبيه بالاكتئاب لدي حيوانات القفص رقم واحد إضافة إلى انخفاض في corticostérone في دمها، فبدت تصرّفاتها عصبيّة وأكثر وحشية بحيث حاولت فتح باب القفص والخروج منه، مما فُسّر من قبل الباحثين ب”حالة مزاجيّة كئيبة”، في حين أن زميلاتها في القفص رقم ٢ بقيت محافظة على هدوئها.

Screenshot 2023-06-02 at 17.10.22

من هنا يقول توماس هورمان Thomas Horman “لقد تبيّن مما لا يدحض الشكّ أنّ الانخفاض المفاجئ في نسبة الجلوكوز في الدم يؤدي إلى مزاج سيء، وهي نتيجة يجب مراعاتها خصوصًا عندما نعلم أن شخصًا واحدًا من كل خمسة أشخاص سيعاني خلال حياته من الإجهاد المزمن، والاكتئاب، لذا علينا جميعًا اتباع نظام غذائي يعزّز مستويات السكر في الدم كعامل وقائي.

المقال السابق
الإدمان على السكر.. وسبل التخلّص منه!
كريستين نمر

كريستين نمر

محرّرة وكاتبة

مقالات ذات صلة

"مفترس في هارودز" وثائقي يتهم محمد الفايد باغتصاب موظفات وابتزازهن

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية