“المكوّعون”، مصطلح جديد ساخر بات يُتداول بقوّة بعد سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد. ويطلق هذا المصطلح على الشخصيات التي استماتت خلال خمسة عقود، بالتطبيل والتزمير لنظام الأسد، قبل أن “تنقل البندقية” بعد ساعات من السقوط والهرب. وقد انتشر مصطلح “المكوّعون” بسرعة كبيرة حتى أن هناك حسابات عدة على مواقع التواصل الاجتماعي، باتت تحمل هذا الاسم، للدلالة على الانتهازية والنفاقين السياسي والاجتماعي.
مواقف كثيرة مقززّة أطلقت على لسان مطبلّي الأمس من فنانين وسياسيين وكتاب وإعلاميين لبنانيين وسوريين على السواء، ناصبوا العداء للشعب السوري التواق إلى الحرية، منذ آذار ٢٠١١ تاريخ اندلاع الثورة السلمية التي حوّلها الأسد وحلفاؤه إلى حرب إبادة، مبرّرين ذلك بأنّ المرحلة كانت تتطلّب ذلك.
في علم الاجتماع تنمو ظاهرة “التكويع” وتزدهر في زمن التغييرات الكبرى، مثل الثورات، ففي مثل هذا الوضع تكون القيم القديمة قد بدأت تفقد بريقها، والجديدة لم تترسخ بعد، فيستغل هؤلاء الفرصة بالدعوة إلى التخلّص من الأفكار القديمة، ويساعد على ذلك افتقار المجتمع، في هذه المرحلة الحرجة والحساسة، إلى فكرة واضحة عما سيؤول إليه التغيير.
و”المكوّع” هي كلمة عامية نسبة إلى كوع وتعني الانتهازي الذي يعرّفه علم النفس بالشخص البارع في التلون وتغيير جلدته والتخلّي عن مبادئه، كما هو شخص متعدد التوجهات والان تماءات والأفكار لا يدافع عن فكرة معينة، مستعد للتنكّر لماضيه وعقائده، يتقن فنون التملّق وطرق التزلّف، هدفه الأوحد هو مصلحته، جاهز للتضحية بأخلاقه وقيمه ومبادئه في سبيل امتيازاته.
قد نتفهّم أن “يكوّع” الشعب السوري المقموع خوفًا ورهبة، وهو الذي عانى ما عاناه طيلة خمسة عقود من رعب وموت وقمع وتعذيب وقتل وتنكيل تحت سلطة لا تحترم قانونًا ولا تؤمن بحرية ولا تعترف بحد أدنى من حقوق الإنسان، ولكن أن “يكوّع” من كان شريكًا بتلك الجرائم، أمثال بشار الجعفري سفير سوريا الحالي في موسكو، فهذا لا يمكن أن يتفهّمه عقل بشريّ.
ومن السوريين غير السياسيين المكوّعين الذين تمّ تداول أسماءهم بكثرة في هذه الأيام، الممثل دريد لحام والممثلة سوزان نجم الدين والمخرج سيف الدين السباعي وأيمن زيدان وغيرهم… إلا أن الصدمة كانت بما قاله السباعي الذي عرف بولائه الأعمى لبشار حتى تردّد بأنه تنكّر لأخيه الأكبر الفنان عامر السباعي، الذي كان معارضًا وهرب إلى مصر بعد أن هدّده نظام بشار وحرمته عائلته من الميراث، فمات ودفن هناك في العام ٢٠١٥ وحيدًا وكان حينها في السابعة والخمسين من عمره، فـ”المكوّع” السباعي طالب في منشور فاق الـ٤٠٠ كلمة أبناء الرئيس المخلوع بشار الأسد بالبصق على أبيهم والتبرؤ منه وما إلى ذلك من مزايدات لغوية سفيهة ومقزّزة.
أما نحن اللبنانيين فحدث ولا حرج عن “مكوّعينا” الذين نقلوا البندقية إلى الكتف الآخر بعد ساعات من خلع بشار، أمثال وئام وهاب الذي سطع نجمه كبوق له خلال فترة الوصاية السورية وبعدها، وغدي فرنسيس التي تحوّلت من شامتة بـ”أطفال دوما المسلوقين” إلى الأم تريزا تطالب بـ”محاكمة السفاح بشار”… حتى أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم اعتبر سقوط نظام الأسد “تفصيلًا” غير آبه بالآلاف من شبابه الذين قتلوا دفاعًا عن تشبيحه، ولا نعرف إذا كانت “تكويعتهم” هذه عن اقتناع أو تيمّنًا بالمثل القائل: “مين ما أخذ إمي بناديلو عمي”،