"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث
تابعونافلاش نيوز

بسام البدارين/ الأردن والمكون الدرزي وحراك السويداء

الرصد
الأحد، 17 سبتمبر 2023

بسام البدارين/ الأردن والمكون الدرزي وحراك السويداء

منطقة حرة درزية في السويداء على كتف الحدود الشرقية الشمالية للأردن.. ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة من مجازفات أمنية محتملة وأخرى سياسية عندما يعلق الأمر بمصالح الدولة الأردنية الأساسية؟ لاحظ الجميع قبل الإجابة على هذا السؤال، بأن مواقع صحافية أردنية منضبطة وفقاً للبيكار الرسمي، بدأت تكثر من نشر التقارير عن سيناريو الكيان السياسي الجديد في محافظة السويداء. ولوحظ في المقابل أن تلك الخارطة التي نشرتها الصحافة الأمريكية للسويداء في وضعها الجديد تلقفتها أيضاً بعض الأوساط الصحافية الأردنية لكن بدون تعليق رسمي حتى الآن، رغم أن الحكومة الأردنية تواصل مراقبة المشهد بحياد وحذر تجنباً لأي غرق جديد في مستنقع المربع السوري مفتوح الاحتمالات. التقارير تتكثف بشأن مستقبل محافظة السويداء المحاذية للأردن والقريبة من منطقة الأزرق والبادية الشمالية ذات المكون الاجتماعي الدرزي الأردني. وبعد الحراك الشعبي في السويداء الذي بدأ مطلبياً وخدماتياً وانتهى بسيناريو سياسي يخص المكون الدرزي ومناطقه الحيوية والتي صنفت دوماً أردنياً على الأقل في بعدها الأمني بأنها مناطق درزية خاصة ونقية وآمنة وخالية -وهذا الأهم- من نفوذ الجماعات المسلحة سواء كانت السنية مثل جبهة النصرة وداعش أو الشيعية مثل الحرس الثوري وحزب الله اللبناني… بعد ذلك لا أحد عملياً يمكنه شراء الرواية التي تقول إن الأردن ليس معنياً بتفاصيل ما يجري في السويداء؛ فتلك المنطقة في عمق الأمن الحدودي الأردني بكل حال، وهي الأقرب من أبرز قاعدة عسكرية أمريكية على الحدود السورية العراقية وبالتماس مع الحدود الأردنية وهي قاعدة التنف.

لا تورط للأردن

لا أحد في المقابل، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد تطبيعاً متقدماً للعلاقات مع النظام السوري والرئيس بشار الأسد، يشتري تلك الرواية التي ترد في بعض تقارير المعارضة السورية، وأحياناً في بعض تقييمات النظام السوري ودوائره، عن تورط أردني بأي شكل في ملف السويداء المستعصي. يعلم الأردن مسبقاً ودوماً بأن أي تدخل ولو عن بعد، في صراع المكونات السورية الداخلي هو سلاح ذو حدين دوماً. وتعلم رموز المؤسسة بأن بعض تلك التقارير حول دعم معنوي لمطالب أهل السويداء، هي مناكفة أو كيدية أو مشاغبة، وقد يكون مصدر بعضها صحافة إسرائيل أو حتى من أطراف المعارضة السورية التي جمد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مكتبها في عمان ولجانها.

الوزير الصفدي نفسه كانت دوائر النظام السوري قد صنفته بأنه من الشخصيات التي لا تفضل دمشق التعاون معها، لكن الصفدي وفي جلسة إعلاميين خبراء غير مخصصة للنشر قبل أسابيع، شرح بحضور “القدس العربي” بعض تفاصيل حواره المنتج في منزله لخمس ساعات متواصلة مع نظيره السوري فيصل المقداد.

زار الصفدي دمشق، وقطعت العلاقات بينها وبين عمان شوطاً كبيراً بعد الزلزال الذي ضرب الشمال السوري، وبداً لجميع المراقبين أن الأردن في وصلة حماسة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري رغم أن طاقم الحكومة السياسي وبعض المستشارين وقبل انعقاد القمة العربية بالرياض شككوا في تسريبة معلوماتية مصدرها مسؤول سعودي كبير حول حضور الرئيس الأسد لتلك القمة.

بكل حال، المقصود سياسياً وإعلامياً أن مستوى الحساسية والرصد الأردني ارتفع إلى منسوب يصعب معه مؤخراً المجازفة بالتورط بأي سيناريو مغامر في الداخل السوري حتى لو كان أمريكياً.

يعني ذلك أن الأردن قطع، بكل حماسة، مسافة نحو النظام السوري، وتقتضي مصالحه الاستراتيجية والأساسية عدم العودة لحالة التخاصم والتقاطع التي بدأت عام 2011 وإن كانت أولويته الأمنية المتمثلة بتهريب المخدرات من مناطق درعا تقف بين الحين والآخر أمام حالة تواطؤ سورية غريبة من المؤسسة الرسمية.

الانطباع قوي بأن الأردن لا مصلحة له سياسياً بأي تورط من أي صنف فيما يجري بملف السويداء والدروز، وأغلب التقدير أن عمان تتعاطى مع هذا الملف بحذر بالغ.

لكن المقابل، لا أحد ينبغي له أن يفترض بأن الأردن يستطيع التغافل عما يجري أو يمكن أن يجري لاحقاً في السويداء وعند المكون الدرزي السوري. وسياسة البقاء على طاولة الحوار ضرورية؛ لأن أي تحول أو تطور أو صراع في الخاصرة الدرزية السورية يحصل تماماً في عمق أكتاف الخاصرة الشرقية الشمالية للأردن. لذا، المعادلة واضحة حتى الآن على الأقل، وتبرر الصمت الرسمي عن كل ما يطرح إعلامياً بخصوص السويداء.

هل هي بداية التقسيم؟

وعنوان تلك المعادلة صعوبة المجازفة بأي تدخل أو تورط، وبفاتورة أو كلفة المغامرة في المقابل، وبالغياب عن ترتيبات وطاولة المكلف؛ لأن المسألة الجيوسياسية هنا تدخل في عمق الاعتبار الأمني الأردني القومي والحدودي، ولأن مقتضيات الاشتباك مع تهريب المخدرات أيضاً تتطلب ذلك. يسأل أردنيون مسيسون علناً اليوم عن ما سمى بمشروع الحكم الذاتي في السويداء: هل هو بداية مشروع تقسيم جديد؟ يحاول الإجابة على السؤال الإسلامي المسيس الدكتور رامي العياصرة، على هامش نقاش مع “القدس العربي”، معتبراً أنه لا مصلحة أردنية في تقسيم سوريا، بل المصلحة في بناء نظام منفتح ومسؤول يمثل جميع السوريين ويبقي الوطن السوري موحداً بصيغة تسمح بعودة اللاجئين.

ما يقترحه العياصرة هنا يسانده كثيرون في نخبة القرار الأردني، وتصادق عليه نصوص الخطاب الرسمي المعلن، لكن ما هو غير واضح بعد هو فرضية هوية النظام السوري المقصود.

يقدر العياصرة بأن تمكين المكون الدرزي من حكم ذاتي سينعكس على المكون الكردي شرق الفرات وعلى تلك المناطق الموسومة بأنها محررة فصائلياً في أقصى الشمال، ولاحقاً على المكون العلوي في اللاذقية، ثم على المكون السني الأضعف في دمشق والوسط، ثم يسأل: ماذا سيبقى من سوريا التي نعرفها؟ لذلك، يفترض المفترضون في التحليل السياسي بأن ما يجري في السويداء الآن وما سيجري لاحقاً، مهم وخطير للأردنيين، مع العلم بأن علاقة الأردن بدروز سوريا أصلاً متميزة وزادت تفاعلاتها بعدما تكفل الدروز بالعزل وحماية أنفسهم على كتف الحدود مع الأردن عبر الاشتباك مع تنظيم داعش وغيره، فيما تكفلوا بالابتعاد -بالمقابل- عن المناطق ذات النفوذ الإيراني.

قد لا يكون الأردن بصدد أي تورط، لكنه يراقب الآن، ولا يستطيع التصرف باعتبار ما يجري في السويداء لا يخصه أو يمسه، وبين هذه وتلك مساحة مرونة لا تزال تكتيكية حتى اللحظة على الأقل.

القدس العربي

المقال السابق
جعجع يفنّد "غش الممانعة"
المادة التالية
أسبوع لبنان...العالمي!

الرصد

مقالات ذات صلة

روسيا تُقابل التصعيد بالتصعيد: الحرب العالمية لم تعُد خيالاً

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية