ظل اسم يفجيني بريغوجين مقترنا لسنوات بـ”طباخ بوتين” و”دمية بوتين”، قبل أن تحوله الحرب في أوكرانيا و”تمرده” على قيادة الجيش الروسي إلى شخصية تنافس شعبيتها شعبية الرئيس الروسي نفسه، وفق ما يراه محللون.
وملأت الهتافات شوارع مدينة روستوف حيث خرج الناس ليودعوا عناصر “فاغنر” ويتمنوا لهم التوفيق، في حين التقط سكان المدينة صور سيلفي مع زعيم المجموعة العسكرية ويلقوا عليه التحية خلال مغادرته المدينة.
وهتف الناس قائلين: “فاغنر فاغنر”، في حين هتفت سيدة “اعتنوا بأنفسكم”، ليرد رجل آخر بالقول: “الأهم من ذلك، عودوا أحياء”.
ولد بريغوجين ونشأ، مثل بوتين، في لينينغراد، التي أعيدت تسميتها سانت بطرسبرغ عندما كان الاتحاد السوفيتي ينهار.
ورغم تاريخه كمجرم صغير وقضائه عقوبة بالسجن لـ 12 سنة بتهمة السرقة، واصل بريغوجين مساره التصاعدي إلى أن وصل إلى حد إقامة علاقة وثيقة مع بوتين، وفق صحيفة “نيويوركر”.
قائد مرتزقة فاغنر يفغيني بريغوزين يغادر مقر المنطقة العسكرية الجنوبية وظل بريغوجين أقل شهرة حتى عندما كانت مجموعته تشارك في مناطق لها أهمية لروسيا كسوريا وأفريقيا، لكن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، بات “طباخ بوتين” أكثر نشاطا على وسائل التواصل الاجتماعي فيما نشر مقاتليه على جبهات القتال.
وعززت حرب أوكرانيا موقع بريغوجين وثقته بنفسه، إذ أقر للمرة الأولى علنا بأنه مؤسس المجموعة بعد نفي ذلك لأعوام، وقيامه بشكل علني أيضا بتجنيد مقاتلين من السجون الروسية.
وفي الخريف الماضي، عندما عبر بريغوجين روسيا لتجنيد السجناء لمجموعة فاغنر، “شعر وكأنه نجم موسيقى الروك”، وفق ما يقول ميخائيل زيغار، المتخصص في شوؤن الكرملين، للصحيفة.
روس يلتقطون الصور مع قائد مرتزقة فاغنر يفغيني بريغوزين من “دمية بوتين” إلى قائد ويضيف زيغار “كانت موهبته أنه تحدث معهم بشكل فعال بلغتهم”، حينها جاءت اللحظة التي لم يعد فيها بريغوجين “دمية بوتين”، بل أصبح “قائدا حقيقا”.
وصور بريغوجين نفسه دائما على أنه مقاتل القلة، وفي الوقت ذاته، هو بعيد عن الليبرالية للغاية. ويكره الغرب، ويدعي أنه الحامي الحقيقي للقيم التقليدية، لذلك يرجح زيغار أن يكون هناك المزيد من المؤيدين له خارج فاغنر، “هناك أشخاص في الجيش، وقوات الأمن الفيدرالية، ووزارة الداخلية، يمكن أن يكونوا حلفاءه الأيديولوجيين”.
ومع ابتعاد بوتين عن الأنظار وثرائه بشكل غير معقول منذ انطلاق الحرب الروسية على أوكرانيا، ارتدى بريغوجين في كثير من الأحيان ملابس القتال الكاملة وظهر يتبختر أمام الكاميرات بجوار قواته في المدن الأوكرانية على خط المواجهة، مثل باخموت.
وقال زيغار: “إنه (بريغوجين) يتحدث بالطريقة التي يتحدث بها السجناء. إنه الرجل العادي. لقد نهج نفس الطريقة التي نهجها بوتين قبل عشرين عاما عندما كان السياسيون، في عام 1999، غير قادرين على التحدث بلغة الناس. وآنذاك تحدث بوتين مثل رجل عصابات”، وفق التقرير.
روس يلتقطون الصور مع قائد مرتزقة فاغنر يفغيني بريغوزين وجاء بريغوجين واتبع هذا النمط بطريقة أكثر وحشية، بحسب “نيويوركر”.
وفي وقت يتمتع بوتين بدعم كامل من المعلقين التلفزيونيين المعروفين، يحظى بريغوجين بالدعم الضمني لسلالة جديدة، وهم ما يسمى بالمراسلين الحربيين على “تيليغرام”، وهم ضباط عسكريون سابقون تحولوا إلى مدونين. إنهم يقدمون أنفسهم كممثلين لـ”روسيا الحقيقية”. إنهم حذرون ، لكنهم لا يدينون بريغوجين “. بحسب زيغار.
وزاد بريغوجين في الآونة الأخيرة من انتقاداته اللاذعة للقيادة العسكرية ووجهها بشكل مباشر إلى وزير الدفاع، سيرغي شويغو، أحد الأصدقاء الشخصيين المعدودين لبوتين في النخبة الروسية.
وتقول مجلة “نيوزويك” إن شعبية بريغوجين تتزايد بين الشعب الروسي في الوقت الذي يضع فيه نفسه في مواجهة كبار ضباط الكرملين، ويضع نفسه كشخصية مناهضة للمؤسسة وسط حرب الرئيس فلاديمير بوتين الطاحنة في أوكرانيا.
واحتل بريغوجين، للمرة الأولى، المرتبة الأولى في استطلاعات الرأي في البلاد التي تصفه بأنه شخصية يثق بها الروس ويفخرون بها، وفق المجلة.
كما بات الروس يبحثون عن معلومات حول رئيس فاغنر أكثر بكثير من زعيم البلاد.
وقال محللون لمجلة نيوزويك إن بوتين، الذي لا يفهم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، يقلل من شأن مدى شعبية بريغوجين لدى الشعب الروسي، ومدى التهديد الذي يمكن أن يمثله.
مؤسس مجموعة المرتزقة الخاصة يفغيني بريغوزين ومقاتلو مجموعة فاغنر الروسية في مقر المنطقة العسكرية الجنوبية شعبية بوتين وبريغوجين.. بالأرقام في 8 يونيو، احتل بريغوجين المرتبة الخامسة في استطلاع نشره مركز أبحاث الرأي العام الروسي، أقدم مؤسسة استطلاع في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي.
وطرح الاستطلاع السؤال التالي: “هل هناك روس أحياء يمكن لبلدنا أن يفخر بهم أم لا؟”، وتقدم بريغوجين على مسؤولين حكوميين في نتائج الاستطلاع.
وفي الشهر الماضي، دخل بريغوجين تصنيف مركز ليفادا للشخصيات العامة التي يثق بها الشعب الروسي لأول مرة، بنسبة 4 في المئة، مقارنة بالرئيس السابق، ديمتري ميدفيديف، وزعيم الحزب الشيوعي، جينادي زيوجانوف، وفقا لأندريه كوليسنيكوف، وهو زميل بارز في مركز كارنيجي روسيا أوراسيا، بحسب ما نقل تقرير “نيوزويك”.
وفي 20 يونيو، نشر مركز رومير للأبحاث الروسي قائمة بالشخصيات العامة الأكثر ثقة من قبل الروس. دخل بريغوجين تصنيفه لأول مرة، حيث جاء في المركز الخامس خلف بوتين وسيرغي لافروف (وزير الخارجية) وشويغو وميخائيل ميشوستين (رئيس الوزراء)، وفق التقرير ذاته.
وبعد تعليق بريغوجين تمرده وتوصله إلى اتفاق، قال عضو البرلمان الروسي السابق، سيرغي ماركوف، في حديث مع شبكة “سي إن إن “إنهم (قوات فاغنر) يدعمون قتال بريغوجين ضد الجيش الأوكراني ولكن ليس ضد فلاديمير بوتين”، مشيرا إلى أن شعبية بوتين تبلغ الآن “حوالي 80 في المئة”.
وأضاف “لهذا السبب يرى الكثير من العسكريين الروس مقاتلي فاغنر ليس كأعداء بل كأبطال حقيقيين لأنهم لا يريدون المشاركة في الاشتباكات العسكرية الداخلية”.
وحتى بعد إعلانه “تمردا” على قيادة الجيش الروسي، لم تواجه قوات مجموعة “فاغنر” أي مشاكل في العبور من الأراضي المحتلة في أوكرانيا إلى روسيا في موقعين على الأقل.
وتباهى بريغوجين أن وحدات الحراسة الروسية لوحت لرجاله بسعادة، ما أثار تساؤلات بشأن ولاء الجيش.
وبعد ظهر السبت، وافق يفجيني بريغوجين، زعيم “فاغنر” على سحب موكبه العسكري الزاحف نحو العاصمة الروسية لإسقاط القيادة العسكرية بموجب اتفاق توسط فيه رئيس بيلاروسيا.
وأتى تصريح بريغوجين بعيد إعلان الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشنكو، أن رئيس مجموعة فاغنر أبلغه، السبت، موافقته على “وقف تحركات” مقاتليه في روسيا وتجنب أي تصعيد إضافي للوضع.
الحرة