بكركي والأحزاب المسيحيّة..إختلاف محمود!

لا تتطابق المواقف الأخيرة التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي من “الحوار الرئاسي”مع تلك التي أطلقها أهم حزبين مسيحيّين: القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية!

“القوات” و”الكتائب” لم يُفاجئا البطريرك بل هو من فعل بهما ذلك، إذ إنّه، ومن دون مقدّمات، وبعدما كان في وقت قريب يطالب ب”حوار تصويتي”، أي باقتراع انتخابي، وفق مقتضيات الدستور، انقلب يوم الأحد الأخير على أدبياته السابقة، وراح يحدّد للحوار مواصفات لا يبدو أنّها أعجبت رئيس مجلس النواب نبيه برّي بدليل إصداره، عبر المفتي محمد قبلان موقفًا يرفض فيه وضع شروط مسبقة للحوار!

على أيّ حال، ليس موقف برّي من كلام البطريرك الراعي ما يعنينا، بل التركيز على الإختلاف بين مواقف المرجعية الدينيّة المسيحيّة والقوى السياسيّة المسيحيّة في البلاد!

نحن نعتبر أنّ هذا الإختلاف محمود، فهو يبيّن الفرق الذي ننشده للبنان في البيئات الطائفية، ففي وقت يُعسكر “الثنائي الشيعي” المرحعيات الدينية ويحوّلها إلى أداة من أدواته الدعائيّة يُظهر أنّ البيئة المسيحيّة متحررة من كل أنواع “العسكرة” ففيها تنوّعات سياسيّة تصل أحيانًا الى حدود التناقض، وفيها فصل حقيقي بين الدين والسياسة.

في الواقع، لا أحد يمكن أن يتطلع الى مستقبل سليم للمجتمع، حتى لو اشتدت الأزمات السياسيّة، ويحلم بأن تكون المرجعيّة الدينيّة قائدة للمجتمع السياسي أو تابعة له، إذ إنّ المرجعيات الدينيّة هي خاصة بتنظيم العلاقة بين الإنسان والباري، فيما القوى السياسية هي ناظمة لعلاقة الشعب مع السلطة.

روحيًّا، هناك إشكاليات كثيرة في علاقة الأحزاب السياسيّة المسيحيّة مع المسألة الدينيّة. في المقابل، هناك، اجتماعيًا، إشكاليات كبيرة في علاقة المرجعية الدينيّة مع مسائل الحريات المدنيّة، وليس أدلّ على ذلك اجتماع الديمان الديني- الحكومي الذي حاول إنشاء شرطة أخلاقية كتلك التي انتهت في السعودية وتنشّط نفسها في إيران، من أجل التدخل في ابتسامة الناس وطبيعتهم وثقافتهم وحرياتهم وفنونهم!

مبارك هذا الإختلاف بين مرجعية بكركي الدينيّة وبين القوى الأساسية المسيحيّة. وعقبال البيئات الأخرى، لأنّه بهكذا اختلافات يولد مستقبل واعد!