من التهديدات الحدوديّة المتصاعدة، مرورًا بالعودة الى التدخّل في ملفات اليمن والبحرين، والإمعان في التورّط بتهريب المخدّرات إلى الخليج، وصولًا الى انفجار الأوضاع في مخيّم عين الحلوة في “عزّ موسم الإصطياف”، يظهر جليًّا أنّ مشاكل لبنان الحقيقيّة التي جرّت عليه الإنهيار الشامل خلال ولاية ميشال عون في مكان وطموحات “التيّار الوطني الحر” الذي يزعم امتلاكه “أجندة إنقاذية” يتحاور على أساسها مع”حزب الله” رئاسيًّا، في مكان آخر!
إنّ مشكلة لبنان الجوهريّة لم تكن يومًا في المركزية الإدارية والمالية بل كانت دائمًا في اللامركزية الأمنية والعسكرية التي فرضها “حزب الله” بالتعاون مع الوصاية السورية بادئًا وبواسطة “البطش العسكري” و”الترهيب الإغتيالي” لاحقًا.
قد تكون كل أنواع اللامركزيات التي تقرّب النظام اللبناني من أنظمة كونفدرالية أخرى، هي الحل لمشاكل “ثانوية” ضمن دولة قوية، ولكنّها لا يمكن أن تكون كذلك بما يرتبط بمشاكل جوهريّة تتصل بالسيادة من جهة وبمفهوم وجود الدولة من جهة أخرى.
فشرط إنتاج اللامركزيات المتنوعة لمفاعيل إيجابية يكمن في أن تكون هناك مركزيتان قويتان وصلبتان: الدفاع الوطني والسياسة الخارجية.
وهاتان النقطتان هما جوهر المشاكل التي تنتح مآسي لبنان، إذ إنّ “حزب الله” يدخل إلى هذين الملفين مضاربًا على الدولة وضاربًا لها، بحيث بات يحتكر الدفاع الوطني ويسيء الى السياسة الخارجية!
في هذه المرحلة، وعلى الرغم من المآسي والكوارث والصعوبات، كان الأمل كبيرًا في أن ينتج الضغطين الداخلي والخارجي خروقًا في الدائرة المغلقة لتعدّي “حزب الله” على سيادة الدولة، وفق ما برز في البيان الذي أصدرته فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، في الإجتماع الأخير في الدوحة المخصص للشأن اللبناني وحمله جان إيف لودريان، الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي، إلى القوى الناخبة في لبنان، ولكنّ “التيّار الوطني الحر”، وعملًا بانتهازية سبق أن اشتهر بها، منذ ع ودة مؤسسه ميشال عون الى لبنان، قفز الى المقلب الآخر، ليقدّم مساعدة “ضد السيادة” ل”حزب الله”.
قد يؤخّر هذا السلوك الذي يعتمده جبران باسيل الحل ّ اللبناني المرتجى ويعيد فتح معمل إنتاج الأزمات والكوارث لمرحلة جديدة، ولكنّه يعطي الجميع درسًا أنّه حتى التقاطع مع “التيّار الوطني الحر” خطأ استراتيجي، لأنّه أثبت قابليّته على استغلال أيّ خطوة إيجابية تجاهه من أجل أن يطعن المقاومة اللبنانية لمحور الممانعة في الظهر!