لم تكن عودة جبران باسيل الى التفاهم مع “حزب الله”، امرا غير عادي، وإن كان سبق أن نعى كثيرون اتفاق مار مخايل، ورفع باسيل لسقف التحدي مع “حزب الله”، وذهابه الى التقاطع مع المعارضة في التصويت لجهاد ازعور في الجلسة الاخيرة، التي عقدت في حزيران الماضي لانتخاب رئيس للجمهورية.
وعلى الرغم من الحملات التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي، بين مناصري كل من التيار والحزب، لكن باسيل لم يقطع يوما، رغم الخلاف بينه وبين الحزب “شعرة معاوية” معه، وكأنه كان دوما كما يقال، يحسب حساب “خط الرجعة”، في التعاطي مع الحزب.
وقبيل مغادرة الموفد الفرنسي جان ايڤ لودريان بيروت الاسبوع الماضي، اعلن باسيل عن الحوار بينه وبين الحزب، وهو لم يكن خافيا على احد، ولو كان يجري تحت جنح الظلام، واطلق من على احد المنابر مبادرة عالية السقف، بحيث اعلن انه قدم ورقة مطالب، كان عنوانها “اعطونا اللامركزية الادارية والصندوق الائتماني وخذوا الرئيس”. هذه المبادرة، وان قدر لها النجاح، ستبدل كثيرا في واقع الامور على الساحة الداخلية، كما وانها ربما لا تنسف مسعى لودريان، لكنها ومن دون شك، ستقفز فوق بيان اللجنة الخماسية، كما وتسحب البساط من تحت اقدام المعارضة داخليا، وتعبد الطريق الى فتح قصر بعبدا، امام مرشح الحزب سليمان فرنجية.
لا شك في أنّ باسيل، رغم الملاحظات من مجمل القوى السياسية على ادائه وسلوكياته في السياسة، الاكثر مكرا ودهاء وقدرة على المناورة والمبادرة واللعب على الحبال، بغض النظر عن الخلفيات التي تقف خلف خطواته. فهو وان استطاع انتزاع مطالبه من “الثنائي الشيعي”، يكون بذلك قد اهدى المسيحيين مطلبا، لطالما نادوا به من ناحية، ويكون من ناحية اخرى قد عزز موقعه على الساحة المسيحية، الذي مُني بانتكاسة كبيرة بعد عهد عمه ميشال عون. كما وانّه بخطوته هذه، ان قدر لها النجاح، لأنه دونها عقبات خصوصا في ما يتعلق بالشق المالي من اللامركزية الادارية، والتي يعتبرها البعض “فدرلة مقنعة”، من الممكن، وكما جرت العادة في لبنان، ان يعطي فريق ما لفريق آخر، مشروعا مفخخا، فلطالما كانت شياطين التفاصيل (الأنا) تقضي على المشروع او تفرغه من مضمونه.
في كل الاحوال، ان الاتفاق والتفاهم بين التيار والحزب والتحالف مجددا في ما بينهما، لا بد له من تغيير خريطة التموضعات السياسية في الداخل اللبناني، فكتلة “اللقاء الديموقراطي” التي تربط التصويت لأي رئيس، بموافقة القوى المسيحية، لن تتردد بالالتحاق بركب التوافق بين التيار والحزب، كذلك بعض اصوات الكتل المشتتة والمتذبذبة في مواقفها، ما يسدد ضربة قاضية للقوى المعارضة، التي لن تتمكن عندها حتى من التعطيل، الذي تعتبره بمثابة سلاح بوجه القوى الممانعة، لأنها ستفتقد حتى الثلث المعطل، الذي يتيح لها عرقلة الاستحقاق، كما وانها في حال وافق “الثنائي” على اعطاء باسيل مطالبه لن تتمكن من عدم التصويت على المشاريع المطروحة ان حصل، لأنها لطالما نادت بها.
عندها قد يخرج الاستحقاق من “عنق الزجاجة”، لكنه بالتأكيد لن يكون فاتحة لمرحلة جديدة، يتم فيها اعادة بناء الدولة وانقاذ البلد من الانهيار، بل تمديد للازمة لست سنوات مقبلة.