وأخ يرًا جاء الوقت ليسلّط الضوء على ثروات طرابلس التاريخية، تلك الجوهرة المغمورة والمنسية على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، التي تئنّ كما بقية المناطق اللبنانية تحت وطأة الانهيار الأمني والاقتصادي، ويرزح عدد كبير من سكانها تحت خط الفقر. هذه المدينة التي أنجبت أصحاب ثروات ضخمة يفضلون أن يكونوا هم في واد والطرابلسيين في واد آخر!
تحت عنوان “نافذة على طرابلس”، وتزامنًا مع العيد الواحد والثمانين لاستقلال لبنان واحتفالاً باختيارها “عاصمة للثقافة العربية” لعام ٢٠٢٤، سوف يتحوّل المعهد العالم العربي في باريس، أيام ٢٢ و٢٣ و٢٤ تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي بالتعاون مع جمعية تراث طرابلس - لبنان” إلى “طرابلس مصغّرة”، في حدث استثنائي قد يتيح للجمهور العربي والأوروبي التعرّف على جزء من ثرائها وتراثها الثقافي والفني العريق الذي يمتد على آلاف السنين، وذلك عبر سلسلة لقاءات مع أدباء وشعراء ومفكرين ومثقفين وسياسيين من أبناء المدينة المقيمين والمغتربين، من خلال تنظيم ندوات ومعارض، وعرض أفلام سينمائية وإحياء حفلات موسيقية وإ قامة “سوق تضامني” يضم أعمالًا ومنتوجات طرابلسية
طرابلس في باريس
من هنا كان لـ “نيوزاليست” هذا اللقاء مع رئيسة جمعية “تراث طرابلس - لبنان”، ابنة المدينة المكرّسة وقتها وإمكانياتها للدفاع عن طرابلس، الدكتورة جمانة شهال تدمري لإضاءة على هذا الحدث الثقافي الوطني والعربي الاستثنائي، وحول مساهمة جمعيتها في تنظيمه بالتعاون مع المعهد العالم العربي في باريس، هي التي يصحّ فيها القول بأن ليست طرابلس في قلبها إنما هي في قلب طرابلس ووجدانها، من خلال سعيها “إلى تغيير الصورة النمطية السلبية الملتصقة بطرابلس” كما تشدد.
د. جمانة شهال تدمري
وتقول تدمري: ” كاد هذا الحدث أن يُلغى بسبب الظروف التي يمرّ بها لبنان، إذ تعذّر على العديد من المشاركين المجيء إلى باريس، إلا أنّ إصرارنا كان أكبر من كل التحدّيات، فعلى الرغم من أننا في نهاية الشهر ما قبل الأخير من سنة ٢٠٢٤ المدرجة فيها طرابلس كعاصمة للثقافة العربية، أبت الجمعية إلا أن يقام هذا الحدث في هذا الصرح الأوروبي العربي، لنقول للعالم إن إرادة الحياة سوف تتفوّق على آلة القتل والدمار وأنه على الرغم مما يواجهه لبنان من محن وصعوبات سيبقى رمزاً للأمل والحياة”.
طرابلس عاصمة للثقافة العربية عن جدارة
وعن الدور الذي لعبته جمعية “تراث طرابلس - لبنان” في إدراج المدينة كعاصمة للثقافة العربية، تقول تدمري: “لو لم تكن المدينة جديرة بهذا الاسم لما وافقت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم” (أليكسو) “على تصنيفها”، فمدينتنا تضم أكثر من ١٨٠ معلماً أثرياً، تتنوع ما بين مسجد وكنيسة وخان وحمام ومدرسة وزاوية وسوق وقصور، كما كانت تضمّ إبّان فترة الحكم الفاطمي أكبر مكتبة في العالم (مكتبة دار العلم)، إذ كانت تحتوي على أكثر من ٣ ملايين كتاب ومخطوطة، وهي كانت من أجمل المدن التاريخية التي بناها المماليك إلا أن الحروب التي مرّت عليها والظروف الاقتصادية والعوامل الطبيعية كلها حالت دون المحافظة على هذا التاريخ العريق، وهي خرّجت كبار العلماء والكتّاب والمؤرخين وأصحاب براءات الاختراع الذي وصل صيتهم إلى أقاصي الأرض، عدا عن تميّزها بالتجارة والصناعة والمصانع كما كانت تعرف بغناها ببساتين البرتقال”.
صناعة السجاد
تضيف تدمري : “كان سعينا من خلال إدراجها في هذه الخانة يهدف الى إزالة الوصمة الإسلامية “القندهارية” عنها وإظهارها على حقيقتها أي أنها غنيّة بما تكتنزه من طاقات بشرية وبتراثها ومقوّماتها الاقتصادية والإستراتجية، إضافة إلى موقعها الجغرافي المهم الذي كان يعرف ولا يزال بـ”خط الحرير”، فهي لها ميناؤها التاريخي الذي يعد من أكبر المرافئ على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وقد توسع دوره مؤخراً بعد انفجار مرفأ بيروت في آب /أغسطس ٢٠٢٠، وهو الأقرب جغرافياً إلى سوريا وتركيا وأوروبا، كما أنها تمتاز باليد العاملة الحرفية وبمطبخها الشرقي وحلوياتها، إضافة إلى معرض رشيد كرامي الدولي الذي يعد أكبر معرض من حيث المساحة على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، والذي صنّف من أهم المعارض التراثية وهو من تصميم المهندس المعماري البرازيلي أوسكار نيماير، وقد تمّ إدراجه مؤخرًا ضمن لائحة التراث العالمي بمجهود كبير من جمعيتنا، هذا إضافة إلى مصفاة تكرير النفط التي كان يصل إليها النفط من كركوك العراقية ليصدّر إلى العالم، ومحطة قطار كانت تعرف بالمحطة النهائية لقطار الشرق السريع. إذن هي مدينة غنية جدًا بمقوّماتها وبشوارعها الواسعة حيث يتغلغل داخلها تراث معماري عثماني، فرنسي، وإيطالي إضافة إلى المدينة القديمة التي هي مدينة مملوكية قديمة وقد باتت شبه الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط بعدما دُمرت مدينة حلب، كما تعتبر أكبر مدينة تراثية على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من حيث عدد الأماكن التراثية التي تتضمنها. إذن هي مدينة ليست فقيرة لكنها غير مستثمرة تعاني من مشاكل كثيرة وتحدّيات كبيرة، لذا فهي تستحق عن جدارة اسم “عاصمة للثقافة العربية”.
من المعروضات
مساعي جمعية “تراث طرابلس- لبنان”
وتسعى جمعية “تراث طرابلس - لبنان” إلى خلق فرص عمل جديدة للطرابلسيين، فالجمعية التي تضم فروعًا لها إضافة إلى باريس، في الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، كرّست عملها منذ تأسيسها في العام ٢٠٠٩ للحفاظ على المواقع التراثية والرمزية للمدينة، كما قامت بتنظيم فعاليات ثقافية بهدف تسليط الضوء على هذا الإرث الفريد، حيث كثفت من جهودها لدعم السكان المحليين من خلال حملات توعية ومبادرات اقتصادية ملموسة، تهدف إلى تلبية الاحتياجات الملحة لهم وتعزيز صمود المجتمع المحلي، وتقول تدمري: “من أبرز المشاريع التي أطلقتها الجمعية دمج برنامج التعليم التراثي في المناهج المدرسية منذ عام 2017، تنظيم مهرجانات تهدف إلى تسليط الضوء على الجوانب الثقافية والتاريخية للمدينة تحت اسم أيام التراث الطرابلسي في عام 2019، وأمام الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، أسست الجمعية مركزًا للتدريب المهني بهدف الحفاظ على الحرف التقليدية والفنون اليدوية، مما يسهم في صون التراث المادي للمدينة”.
صناعة الزجاج
ولإعادة الثقة بلبنان عمومًا ولطرابلس خصوصًا، ولكي تفرض نفسها كقطب سياحي جاذب للسياح والمستثمرين (متى وضعت الحرب أوزارها طبعًا واستعاد لبنان عافيته)، قامت جمعية “تراث طرابلس - لبنان” بإنشاء منصة على “غوغل ماب” تدل على الأماكن السياحية والأثرية للمدينة كالصروح الدينية والقلاع والخانات والحمامات وكل ما يمكن زيارته. وتقول تدمري: “إلى جانب كل معلم تجد المعلومات التي يجب أن يعرفها السائح. إضافة إلى دليل الشوارع التي هي غير مرقّمة فتساعد كثيرًا، كما يمكنك اكتشافها افتراضيًا من خلال هذه المنصّة من أي بلد في العالم.
“نافذة على طرابلس”
وبهذه المناسبة وللاحتفال بطرابلس تقدم الجمعية “فعالية استثنائية” بعنوان “تركيز على طرابلس”، على أمل أن تتمكّن هذه المدينة من استعادة ثرواتها التاريخية والثقافية والمعمارية.
تتضمّن الاحتفالية:
الجمعة والسبت والاحد ٢٢ و٢٣ و٢٤ تشرين الثاني /نوفمبر ٢٠٢٤ في المعهد العالم العربي في باريس.
“سوق تضامني”: يعرض فيه ا لحرفيون على مدى ثلاثة أيام من العاشرة صباحًا حتى السادسة مساءً أفضل منتجاتهم مثل الفخار والتطريز والنجارة والنحاس والزجاج…
السبت 23 نوفمبر :
الحادية عشرة والنصف: “تذوق المطبخ الطرابلسي ولقاء حوله” مع الشيف العالمي “ألان جعام”، الذي يمزج بين المطبخ اللبناني والفرنسي، كما ستقدم حلويات الحلاب أشهر منتجاتها.
من الثانية والنصف ولغاية الرابعة: “طاولة مستديرة: طرابلس، التراث والتاريخ”: استكشاف تراث وتاريخ طرابلس عبر نقاش مع خالد زيادة، مها كيّال، جاد تابت وإيمانويل خوري، وتديرها الدكتورة جمانة شهال تدمري.
من الرابعة حتى الرابعة والربع: “استراحة فوتوغرافية: طرابلس ونيماير” عرض صور حول الموقع الأيقوني “معرض رشيد كرامي الدولي” من تصوير أوليفييه شانتوم.
من الرابعة والنصف وحتى السادسة: “طاولة مستديرة: تحديات وآفاق مدينة متعددة الثقافات” نقاش حول العقبات والفرص لتطوير طرابلس كوجهة سياحية وثقافية، مع طارق متري، عادل أفيوني ومصباح الأحدب.
“استراحة فوتوغرافية: طرابلس والبحر” من السادسة لغاية السادسة والثلث: عرض عن التراث الساحلي لطرابلس.
يستعرض تاريخ السينما الطرابلسية من السادسة لغاية الثامنة: عرض فيلم “سيلاما” للمخرج هادي زقّاق.
“لقاء حول السينما في طرابلس” من الثامنة والنصف لغاية التاسعة إلا ربعًا: نقاش حول تاريخ السينما في طرابلس مع هادي زقّاق، الياس خلّاط، فاطمة رشا شحادة، وغسان قطيط
التاسعة إلا ربع: “تكريم لجورج نصر وعرض وثائقي:
“un certain Nasser”
الأحد ٢٤ تشرين الثاني / نوفمبر:
من الثانية والنصف ولغاية الرابعة والنصف: “تكريم لكل من رضوان الشعار مع عرض لأعماله الفنية وتوقيع كتاب من أعماله وللشيخ صبحي الصالح” ونقاش حول إرثه في الفكر الإسلامي مع الشيخ محمد النقري.
الخامسة: “بين الإبداع والنقل، فن الميم في طرابلس” عرض ولقاء مع فائق حميصي وزكي محفوظ