منذ حوالي خمسة أشهر، كان كتّاب السيناريو الأميركيون مضربين عن العمل، ويواجهون رؤساء شركات الإنتاج بشأن الأجور والتهديدات التي قد يشكلها الذكاء الاصطناعي على مكاسبهم المحتملة.
وأعلنت رابطة الكتّاب الأميركية يوم الأحد الفائت عن تحقق انفراجة في المفاوضات التي وصفتها بالـ “استثنائية” ووعدت “بمكاسب وحماية جادة” للكتّاب.
في انتظار قبول أعضاء رابطة الكتّاب الصفقة، قد يقوم الكتّاب بوضع لافتاتهم الاحتجاجية جانباً واستئناف الكتابة في أقرب وقت ممكن اعتباراً من اليوم.
دام الإضراب 146 يوماً، وهذه مدة تفوق سابقة الإضراب العمالي لعام 2007 الذي استمر لـ 99 يوماً. تمكن المدراء التنفيذيون في شركات الإنتاج من الصمود لفترة أطول قبل تقديم عرض ارتأت رابطة الكتّاب الأميركية بأنه مناسب – وقد نكون نحن المستهلكين مسؤولين عن هذا.
لا شك أن كثيرين منا كانوا على دراية بالإضراب الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام الرئيسة وانتشر على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي. لكن ما هي نسبة الذين لاحظوا بالفعل تأثيره على عادات المشاهدة لدينا؟
قائمة العروض والأفلام المتأخرة بسبب الإضراب طويلة، وخصوصاً منذ انضمت نقابة ممثلي الشاشة وفناني الأداء الأميركية للتلفزيون والإذاعة والوسائط الصوتية للإضراب دعماً لتحرك الكتّاب.
حدثت تأخيرات في مراحل مختلفة من التصوير والإنتاج في كل من مسلسل “خواتم القوة” The Rings of Power المستمد من قصص “سيد الخواتم” Lord of the Rings، ومس لسل “منزل التنين” House of the Dragon المتناسل من سلسلة صراع العروش” Game of Thrones [على رغم أنه يزعم أن أحداثه الخيالية وقعت قبل مئتي عام “صراع العروش]، ومسلسلين جديدين مشتقين من “الموتى السائرون” Walking Dead، ومعالجات تلفزيونية جديدة لرواية “مقابلة مع مصاص الدماء” Interview with the Vampire للكاتبة آن رايس، وأخرى لمسلسلي “مليارات” Billions و”قصة رعب أميركية” American Horror Story، وسلسلة “آندور” Andor المستمدة من أفلام “حرب النجوم” Star Wars.
من دون الكتّاب، لا توجد هناك قصص ولا سيناريوهات ولا لحظات يكاد القلب يتوقف عند مشاهدتها ولا مشاهد تدر الدموع.
أدى الإضراب في السينما إلى تأخير العروض الأولى المنتظرة لمجموعة من أفلام مارفيل، بما فيها المغامرات الجديدة لأفلام “كابتن أميركا” Captain America و”المنتقمون” The Avengers و”بلايد” Blade، إضافة إلى أجزاء تتمة لقصص الخيال العملي “أفاتار” Avatar و”كثيّب” Dune و”ترون” Tron.
المشكلة بالنسبة للكتاب، وربما من الأسباب التي جعلت شركات الإنتاج تشعر أن بإمكانها التأخر في استجابتها لفترة أطول بكثير من الإضراب الأخير، هي أن مشهد [عادات] المشاهدة يختلف كثيراً عما كان عليه في عام 2007.
بطريقة ما، صار الكتّاب ضحايا نجاحهم بسبب إنتاجهم المذهل وانقلاب طريقة استهلاكنا للإنتاجات الثقافية المرئية الشعبية جذرياً رأساً على عقب خلال العقد الماضي.
في عام 2007، عندما حُرمت شبكات البث من الإنتاجات الجديدة، كان الأمر واضحاً أكثر بالنسبة لجمهور المشاهدين. بدأت الفجوات في جداول البث تتسع، وكان غياب الكتّاب ملموساً بشدة. أدى ذلك مباشرة إلى ظهور تلفزيون الواقع بالشكل الذي نعرفه اليوم، وهو محتوى رخيص التكلفة نسبياً لا يحتاج إلى فريق من الكتّاب لإنجاحه؛ ما عليك سوى وضع عدد كبير من المشاهير أو أفراد من الجمهور في غرفة، أو على جزيرة، أو في الغابة وتركهم يتحدثون عن أنفسهم.
لكن من يشاهد الإنتاجات التلفزيونية عندما تبث على الشبكات الرئيسة في يومنا هذا؟ فالمغزى من خدمات البث التدفقي وعند الطلب أننا نستطيع مشاهدة البرامج متى شئنا - وحتى بعد مرور أشهر على إصدارها في بعض الأحيان.
في النهاية، هناك محتوى كبير جداً متوافر للمشاهدة، عبر القنوات الأرضية، و”نتفليكس” و”ديزني” و”برايم” و”سكاي” وغيرها. وثمة من سيباشر للتو مشاهدة مسلسل “آخرُنا” [آخر واحد منا] The Last of Us أو أحدث موسم من مسلسل “قصة خادمة” The Handmaid’s Tale في الوقت الحالي وبعد أشهر أو حتى سنوات من إصدارهما للمرة الأولى.
صحيح أن المعجبين ينتظرون بفارغ الصبر طرح المواسم الجديدة من هذه المسلسلات، لكن التأخير الناجم عن الإضراب يكون أقل إيلاماً عندما تتوافر عناوين كثيرة أخرى للمشاهدة في هذه الأثناء على تطبيقات البث التدفقي والمشاهدة عند الطلب.
لكن مكتبة المحتوى الضخمة هذه لن تدوم إلى الأبد، وقد أدركت الاستوديوهات ذلك. بغض النظر عن مقدار ما هو موجود [معروض] بالفعل، فسنرغب بالمزيد في نهاية المطاف. ولهذا السبب، فاز الكتّاب، كما نأمل، وهم يستحقون إشادتنا على جهودهم الرائعة، التي صمدت لخمسة أشهر تقريباً.
يعود الفضل في وجود كل هذا المحتوى للكتّاب أولاً وأخيراً.، فمن دونهم لما أبصرت النور القصص ولا السيناريوهات ولا اللحظات المدرة للدموع [المؤثرة] أو تلك التي يكاد القلب يتوقف [تسلب الألباب] عند مشاهدتها. من دون الكتّاب، لا توجد عروض.
قد لا تكون أسماء الكتّاب موجودة على الملصقات أو الإعلانات الترويجية، والأرجح أن المرء لن يتعرف إلى كتّاب سيناريوهات مسلسلاته أو أفلامه المفضلة إذا صادفهم في الشارع. لكن، نأمل في أن يوضح لنا هذا الإضراب الطويل والعظيم أنهم هم نجوم العروض حقاً، وأنه ينبغي علينا – وعلى أرباب عملهم – إيلاؤهم التقدير الذي يستحقونه. ومن خلال العزيمة والإصرار المطلقين، صاغ الكتّاب النهاية [الخاتمة السعيدة] على ط ريقتهم الخاصة، وكما هي الحال في جميع القصص الجيدة، فإن الأخيار فازوا مرة أخرى.