من النادر خروج أي سوري من منزله على امتداد البلاد من دون اصطحابه أوراقاً ثبوتية، بينما ينبغي على الشبان البالغين الاحتفاظ بدفتر يسمى “خدمة العلم” تسجل فيه مواعيد الالتحاق بالجيش النظامي، ومن سوء الطالع أن يفقد أحدهم أوراقه أو ينسى حملها عند المرور من الحواجز، لأن العودة للمنزل وقتها ستكون محفوفة بالأخطار، فالوثائق تثبت هوية المارة من خلال حواجز أمنية وعسكرية وظيفتها التفتيش والتدقيق.
حواجز ثابتة وطيارة
وكثيرة هي الحواجز التي تنامت على الطرقات الرئيسة أو وزعت في المدن على مدى أعوام الحرب، ولعل السوريين يعرفون “الفيش” جيداً، فهي أكثر الكلمات رهبة بحسب وصفهم، خوفاً من اكتشاف دعوتهم إلى الخدمة الاحتياطية أو الاستدعاء، وبالتالي يتحاشى الشبان المرور عبر الحواجز أو حتى السفر والتنقل بين المدن أو أحياء المدينة ذاتها.
وقبل أعوام عدة أزال الأمن السوري حواجز التفتيش داخل المدن واقتصر على حواجز متنقلة أو غير ثابتة اصطلح على تسميتها بـ “الحواجز الطيارة”، تظهر في أوقات أو أماكن غير معلومة وهدفها المباغتة والتدقيق بالمخالفات، بينما بقيت الحواجز على الطرقات العامة ولا سيما الدولية حاضرة، وعلى رغم تقليص عددها إلا أنها لا تزال تؤدي وظيفتها حتى اليوم، إلا أن قراراً بإزالتها تسرب للعلن ليلاقي استحساناً لدى الناس ورضاهم من دون معرفة أسباب ذلك.
وأرجع متابعون للمشهد السوري قرار الإزالة إلى تخفيف الأعباء عن المواطنين، ولا سيما أنهم يتكبدون المشاق وهدر الوقت على الطرقات الرئيسة التي ظلت هذه الحواجز تمارس وظيفتها فيها، بينما المعلومات الأولية أن هناك فرقاً بين إزالتها أو نقلها إلى مواقع في أطراف المدن بالغة الحساسية لتقوم بوظيفتها هناك.
انعكاسات على الطريق
في غضون ذلك توقع مراقبون أن يطرأ تحسن في الاقتصاد والتبادلات التجارية وسهولة في تدفق وحركة البضائع والمنتجات بين المحافظات والمدن السورية، واعتبر المتخصص الاقتصادي والمصرفي عامر شهدا أن إزالة الحواجز يمكن أن يفضي إلى خفض الأسعار 50 في المئة، لكنه دعا إلى أن يرافق إزالة الحواجز إلغاء القرار (1130) الخاص بالمنصة و”آلية تخليص البضائع المستوردة والفاتورة المطلوب تقديمها”.
ويعتقد شهدا أن القرار في حال تطبيقه يأتي تلبية لرغبة التجار والصناعيين الذين يعزون ازدياد الأسعار إلى ارتفاع الكلف ووجود الحواجز، وأنه على التجار اليوم خفض أسعار منتجاتهم.
ولاقى القرار الأخير ترحيباً من الأوساط الشعبية السورية، ولا سيما من الفريق الموالي، قابله بالارتياح، في حين لم ينشر القرار عبر المنصات الرسمية وإنما أعلنه رئيس تحرير صحيفة “الوطن” المحلية وضاح عبدربه، وسبق للقيادة العسكرية في سوريا إزالة حواجز بين المحافظات بهدف تحسين حركة وصول المواطنين وتسهيل نقل البضائع على الطريق الدولي بين طرطوس واللاذقية في منطقة بانياس.
وإزاء ذلك ترى مصادر محلية أن الحواجز أزيلت بقرارات متتالية، إذ أقفل عدد منها بين حلب شمالاً إلى دمشق جنوباً خلال العام الماضي، أما في نهاية يونيو (حزيران) الماضي فأزيل حاجز حسياء على الطريق الدولي بين حمص ودمشق مما ترك تأثيراً في سهولة نقل البضائع، وهذا ما يتوقعه السوريون في حال تطبيق القرار.
ولعل إزالة الحواجز العسكرية في هذا التوقيت بالغ الحساسية ويأتي تلبية لمطالب شع بية للتخفيف على السوريين في ظل ما تشهده البلاد من حراك شعبي في السويداء، جنوب سوريا، عقب قرارات حكومية هدفها رفع أسعار المشتقات النفطية من الوقود ومازوت التدفئة المنزلية والصناعية إضافة إلى الغاز، في بادرة لرفع الدعم عن المواد التموينية والغذائية والنفطية.
وعرفت سوريا الحواجز بعد اندلاع الحراك الشعبي عام 2011 حيث توزعت مناطق السيطرة بين القوات النظامية بدعم روسي - إيراني، أو قوات سوريا الديمقراطية(قسد) شرقاً ومناطق نفوذ هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) في إدلب، وكل منها لديها الحواجز الأمنية التابعة لها، بينما يعاني المواطنون عند الانتقال بين المدن التي تسيطر عليها الدولة ومناطق نفوذ الفصائل والميليشيات.