تحتاج ظروف السماح للإصلاحي مسعود بزشكيان الذي حظي بتأييد الرئيسين السابقين محمد خاتمي وحسن روحاني، بالوصول إلى رئاسة الجمهورية الإسلامية في ايران، (تحتاج) إلى الكثير من المعلومات الدقيقة حتى تتوضح أبعادها الحقيقية، بشكل لا لبس فيه.
ولكن من المؤكد أنّ انتصار حامل شعار الانفتاح على العالم له دلالاته وتداعياته وتأثيراته، ولو كانت الرئاسة في ايران ليست مركز القرار الفعلي، اذ إنّ السلطة تتركز عن المرشد علي خامنئي وأدواته التنفيذية المباشرة، وأهمها على الإطلاق، الحرس الثوري.
يأتي انتخاب بزشكيان، اثر مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادثة تحطم مروحيته.
رئيسي جاء إلى الرئاسة، كونه اهم رمز للمتشددين في البلاد. تمّ تفريغ الساحة الانتخابية لايصاله. كان “ترئيس” رئيسي عنوانًا لمرحلة جديدة أراد الحاكم الفعلي ان يرسمها للداخل والخارج.
دفعت ايران ثمنًا غاليًا لمرحلة رئيسي: حصلت فيها “ثورة الحجاب”. ارتفع منسوب المعارضة في الداخل والخارج. تضاعفت العقوبات الاميركية والأوروبية. على الرغم من أهميتها الاعلامية والدعائية، إلا أنّ الاتفاقيات مع الصين وروسيا لم تفتح ايران على “ثروات الشرق” بل جعلت الشرق يستغل ثروات ايران. اضطرت ايران ان تدفع ببعض أدواتها في المنطقة إلى حرب مدمرة مع إسرائيل من أجل أن توقف مسار التطبيع النشط بين “العدو” والدول العربية والإسلامية المحيطة بالجمهورية الإسلامية. في عهد رئيسي، تدهورت سمعة ايران ووصلت إلى الحضيض.
لا توجد تحقيقات محايدة من شأنها ان تحل لغز مقتل رئيسي، وما إذا كان “قضاء وقدرًا” أو “بفعل فاعل”، لكن انتخاب اصلاحي بعد مقتله قد يكون إشارة إلى أنّ صاحب القرار الفعلي في ايران، قد يكون راغبًا في تغيير صورة بلاده وموقعها، وقلب صفحة رئيسي مع تحطم مروحيته.
يستطيع المرشد ان يستفيد كثيرًا من وصول بزشكيان، من دون ان يخشى على نفسه وتياره من اي ضرر، فإلى صلاحياته وقوة أدواته، سبق له ان احكم سيطرة المتشددين على المجلس النيابي، بعدما جرى حرمان المعتدلين من ترشيح أنفسهم.
في هذه الانتخابات الرئاسية، أعطى خامنئي العالم صورة يمكن ان يحبوا التعامل معها، ولكنه لم يعطه مرجعية قرار، ووهب الغاضبين في الداخل مرجعية يمكنها ان تريحهم ولكنها اعجز من ان تلبي تطلعاتهم.
لقد وافق النظام مع السماح لبزشكيان بالوصول إلى الرئاسة، بتحسين ظروف التعامل والعيش، ضمن الجحيم، ولكنه لن يسمح بتغيير طبيعة هذا الجحيم!
معارضو النظام الإيراني لن يفرحوا بهذا التطور. هم يعتقدون بأنّ من شأنه اطالة عمره وتحسين صورته وتصعيب مهمتهم.
قد لا يكونون مخطئين في ذلك، ولكن النظام الإيراني، يملك قدرات هائلة لحماية نفسه من إرادة شعبه.
انتخاب بزشكيان أكمل مهمة المروحية: حرّر الجمهورية الإسلامية من أعباء التشدد الواضح وجعلها، في مرحلة عالمية مهمة، تستّر عوراتها وراء صورة اصلاحي فاز ديموقراطيًا، في انتخابات شابها الف عيب وعيب، وليس إبقاء مراكز الاقتراع مفتوحة لأكثر من ست ساعات، بعد الموعد القانوني لاغلاقها، سوى واحدة من هذه العورات!