"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

أين زيلينسكي الفلسطيني؟

ابراهيم ناصر
الجمعة، 5 يناير 2024

أين زيلينسكي الفلسطيني؟

عندما أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العنان لجيوشه لاجتياح أوكرانيا لم يكن يتوقع ان يحوّل تحدّي مواجهة الهجوم الروسي الممثل الكوميدي السابق والرئيس الاوكراني الحديث العهد في الممارسة السياسية فولوديمير زيلينسكي الى رمز لصمود اسطوري في وجه ثاني اقوى جيش في العالم. لم تقتصر المفاجأة على بوتين، بل شملت قادة جميع الدول الغربية الذين اذهلتهم شجاعة زيلينسكي واصراراه على البقاء في الصفوف الامامية في مواجهة الروس ورفضه عروض الجلاء عن العاصمة كييف عندما كانت مهددة بالسقوط. منذ اليوم الأول للحرب ارتدى زيلنسكي الزي الكاكي وتفرّغ لإدارة صمود بلاده بحيوية ومهارة قلّ نظيرها. رأيناه لا يهدأ بين زيارة جبهات القتال وترؤس اجتماعات غرف العمليات وعيادة المصابين ومعاينة الاضرار ومخاطبة شعبه لرفع معنوياته وحثه على الصمود والقتال. لكن ما اثار اعجاب واحترام العالم بالرئيس الاوكراني كان بشكل خاص ذلك الجهد الجبار الذي بذله ولا يزال على المستوى الدبلوماسي بهدف توفير الدعم الدولي لبلاده في حربها غير المتكافئة مع الدب الروسي.

في بداية الحرب أظهرت الدول الغربية الكثير من الارباك في التعامل مع الواقع الجديد ولاسيما في تحديد مستوى ونوعية الدعم لاوكرانيا في ظل الخشية من انهيار اوكراني سريع ومن استفزاز الدولة التي تملك آلاف الرؤوس النووية، غير ان الرئيس زيلنسكي التقط فرصة ضعف أداء الجيش الروسي وتعثر هجومه وإظهار الاوكرانيين لإرادة صلبة في الصمود وعدم الاستسلام للقوة الغازية ومقاومتها بكل الوسائل، ليطلق حملة دبلوماسية واسعة النطاق وغير مسبوقة على الساحة الدولية وينجح في وضع مسألة دعم بلاده ماليًّا وعسكريًّا على رأس أولويات الدول الغربية التي راحت تتسابق لإظهار سخائها في دعم المجهود الحربي الاوكراني.

تحدّث الرئيس الاوكراني عن بعد امام معظم برلمانات الدول الغربية شارحا قضية بلاده وأهمية دعمها فيما كانت اتصالاته لا تتوقف مع قادة تلك البلاد والذين بدورهم راحوا يحطّون في كييف الواحد تلو الآخر لإعلان التضامن مع أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي وللوقوف على تفاصيل حاجاتها للصمود امام الروس. ومع اطمئنان زيلنسكي الى تماسك بلاده واستعادة جيشه لزمام المبادرة في الحرب راح يجوب العالم سعيًا وراء الدعم المالي والعسكري والسياسي. لم يترك رئيسًا لم يلتق به، حضر كل القمم العالمية والإقليمية، القى المحاضرات في العديد من المنتديات الدولية كما تحدث شارحا قضية بلاده امام اهم وسائل الاعلام العالمية. لقد تمكن زيلينسكي بفضل حركته الدبلوماسية الدائمة وحضوره الإعلامي الكثيف من حشد التأييد لقضية بلاده ومن استمالة الراي الغربي ما فتح الطريق امام قادته لإغداق كل أنواع الدعم على كييف والذي لا يزال متواصلًا الى اليوم.

لا تزال عالقة في اذهان الكثيرين صورة الرئيس الفرنسي وهو يسهب بالحديث عن الحرب على غزة فيما يقابله الرئيس الفلسطيني محمود عباس على كرسيه مشغولا بمكافحة النعاس

منذ ثلاثة أشهر يتعرض الشعب الفلسطيني في غزّة لما يشبه حرب إبادة. ربما لم يشهد العالم منذ الحرب العالم العالمية الثانية هذا القدر من التوحش في القتل والتدمير وإشاعة الموت في بقعة جغرافية صغيرة حيث الكثافة السكانية من الأعلى عالميا وحيث لا مجال للفرار من الهلاك الى أي مكان آخر. فبفضل ممارسات مقاتلي حماس في السابع من تشرين ضد المدنيين في غلاف غزّة انتزعت القيادة الإسرائيلية تصريحًا واضحًا داخليًّا وخارجيًّا للانتقام من الفلسطينيين وعلى نطاق واسع. على المستوى الداخلي توحّد الرأي العام الواقع تحت صدمة الانهيار الأمني الإسرائيلي للمطالبة بردّ قاس لا تمييز فيه بين المدني والعسكري فيما تسابق قادة الدول الغربية وكبار مسؤوليها لزيارة إسرائيل واعلان تضامنهم ودعمهم الكامل لها واعطائها كامل الشرعية في الردّ القوي حتى هزيمة حماس وذلك تحت مسمى الحق في الدفاع عن النفس. في محاولتها لإطالة امد الضوء الأخضر الغربي والأميركي على وجه الخصوص لحربها على غزّة قامت إسرائيل بحملة دبلوماسية ودعائية مكثفة كان محورها القاء الضوء بشكل مستمر على ما تعرض له المدنيون الإسرائيليون على يد حماس في السابع من تشرين الاول.

عن الجانب الفلسطيني تهيمن حركة حماس على المشهد السياسي والإعلامي الفلسطيني وذلك بحكم كونها الطرف المعني مباشرة بالنزاع العسكري الحالي مع إسرائيل. غير ان تلك الهيمنة لا تتعدى خارج فلسطين البيئات القليلة المؤيدة لها فيما أبواب الديبلوماسية والاعلام موصدة امامها تماما في معظم الدول ذات التأثير اما لوصمها بالإرهاب او لسبب موضوعي يتمثّل بعدم اهليتها الشرعية للتحدّث باسم الشعب الفلسطيني. لكن ماذا عن الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني أي منظمة التحرير الفلسطينية وعن السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيسها محمود عباس؟ غيبوبة شبه شاملة. يكاد المتابع لمجريات الحرب الدائرة ولما يتعرض له الشعب الفلسطيني ان ينسى وجود السلطة ورئيسها لولا بعض زيارات رفع العتب الخاطفة لبعض المسؤولين الغربيين الى رام الله. ولا تزال عالقة في اذهان الكثيرين صورة الرئيس الفرنسي وهو يسهب بالحديث عن الحرب على غزة فيما يقابله الرئيس الفلسطيني محمود عباس على كرسيه مشغولا بمكافحة النعاس.

تهيمن حركة حماس على المشهد السياسي والإعلامي الفلسطيني وذلك بحكم كونها الطرف المعني مباشرة بالنزاع العسكري الحالي مع إسرائيل. غير ان تلك الهيمنة لا تتعدى خارج فلسطين البيئات القليلة المؤيدة لها فيما أبواب الديبلوماسية والاعلام موصدة امامها تماما في معظم الدول ذات التأثير اما لوصمها بالإرهاب او لسبب موضوعي يتمثّل بعدم اهليتها الشرعية للتحدّث باسم الشعب الفلسطيني

أين هو ممثل الشعب الفلسطيني يجوب عواصم العالم لمواجهة السردية الإسرائيلية، ومخاطبة الرأي العام الدولي والـتأثير فيه، ومحاورة الاعلام العالمي والنخب الثقافية؟ اين هو الرئيس الفلسطيني الذي يلح على زعماء العالم ويتوسلهم المساهمة في وقف المذبحة بحق شعبه ويشرح لهم ان قدر الفلسطينيين ليس بالضرورة خيار حماس إذا وجد في إسرائيل طرف جدي يؤمن بالسلام؟ اين هو الرئيس الفلسطيني الذي لا يكلّ من طرق أبواب الاشقاء والحلفاء والأصدقاء لطرح المبادرات السياسية والبناء على استفاقة العالم حول ضرورة وجود دولة فلسطينية سيّدة الى جانب إسرائيل وإسماع العالم انه آن الأوان لإنصاف الشعب الفلسطيني المظلوم والتمتع بحقوقه الوطنية وان ذلك هو من اول شروط استقرار المنطقة بشكل مستدام…أين اختفت القيادة الشرعية الفلسطينية؟ … اين زيلينسكي فلسطين؟

المقال السابق
"هآرتس": تغيير الوضع في الشمال يمكن أن يدفع إسرائيل إلى عملية عسكرية واسعة النظاق في لبنان

ابراهيم ناصر

باحث سياسي واجتماعي

مقالات ذات صلة

"حزب الله" لم يشك لحظة واحدة بسلامة أجهزة "بايجر" وهذا هو الدليل

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية