الموقف الذي أطلقه، أمس رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمّد رعد مساجلًا فيه هؤلاء الذين يستعجلون “حزب الله” توسيع الحرب ضد إسرائيل و”تحرير ما بقي محتلًا من الأراضي اللبنانيّة”، لم يكن، بالمقارنة مع الأدبيّات الحربيّة التي يستعملها جميع الناطقين باسم “المقاومة الإسلاميّة في لبنان” منذ السابع من تشرين الأوّل، كلاسيكيًّا، إذ إنّه، في مكان ما تقاطع مع مواقف “لطيفة” تتمنّى على “حزب الله” عدم توريط لبنان في حرب لن يستطيع تحمّل كلفتها الباهظة، كما هي عليه، على سبيل المثال لا الحصر، مواقف الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط.
ولأنّ موقف رعد (سأنشر لكم رابطه في آخر هذه الإفتتاحيّة) “إستثنائي”، كان لا بدّ من التدق يق فيه، بالإستناد الى مواقع “حزب الله” أو تلك المقرّبة منه، ولكن بدا لي أنّ الجميع تجاهله، وكأنّ هناك كلمة سر حظرت نشره والتفاعل معه!
وعليه هل “تمرّد” محمد رعد أو حاد عن جادة الصواب “الحزبي”؟ أو هو يعكس “افكارًا” أخرى موجودة ضمن “حزب الله” مناهضة لتوسيع الحرب انطلاقًا من الجنوب اللبناني؟
لا أحد يعتقد بدقة هذين السؤالين، فرعد “مطواع” و”حزب الله” شمولي لا يحتمل تنوّع المواقف في صفوفه الملتزمة.
ماذا إذن؟
بطبيعة الحال، لن نحصل على جواب شاف، حتى إشعار آخر، من “حزب الله”، ولكن يمكننا أن نفهم ماذا يحصل، بالإستناد الى متابعة لصيقة لوضعيّة “حزب الله” وأحوال قواعده الشعبيّة، والتغييرات الحاصلة في الموقف الإيراني نفسه!
في الواقع، إنّ محمّد رعد أطلق “بالون اختبار”، في خطوة تهدف إلى استكشاف ماذا يمكن أن تكون عليه ردات الفعل، في حال عدم انخراط “حزب الله”، على نطاق أوسع، في حرب “طوفان الأقصى”، لأنّ “حركة حماس” تستعجل ذلك، من جهة ولأنّ خصوم “حزب الله” يزايدون عليه، من جهة أخرى.
ولأنّ “حزب الله” بالتزامن مع تنظيم إطلالات “تبرُؤيّة” لوزير الخارجية الإيرانية في نيويورك في وسائل إعلام أميركيّة عدة، أراد أن يوصل رسالة “شبه رسميّ ة” الى عدد كبير من الدول، بما فيها “الصديقة”، لتوضيح ما هو غامض في موقفه، حتى تعمل على أساسها، في المفاوضات الناشطة في الكواليس الإقليميّة والدوليّة.
والأهم من ذلك، إنّ “حزب الله” الذي يتلمّس، يومًا بعد يوم، الهلع الذي يصيب أبناء الطائفة الشيعيّة، أرسل رسالة طمأنينة إليهم، وهم الذين من أقاصي الجنوب حتى عمق الضاحية الجنوبية في بيروت، يفتشون عن منازل في مناطق أقلّ استهدافًا في حال نشبت للحرب، للإنتقال إليها، بالإجارة أو الضيافة أو الإعارة.
الكلام الذي قاله محمّد رعد، وتعمّدت على ما يبدو كل منابر “حزب الله” الرسميّة والمقربّة إهماله، لا يُجانب، بأيّ تفصيل منه، القناعات اللبنانيّة الشاملة، ولا يُهمل حقيقة ساطعة أنّ إسرائيل لن تحصل على ضوء أخضر دولي لتنفيذ تهديداتها التدميريّة لا بل الأبوكاليسبيّة ضد لبنان، فحسب بل ستكون مدعومة بقوات عسكريّة “أطلسيّة” باتت حاضرة، بنوعيّة غير مسبوقة، في الضفة الشرقيّة للبحر الأبيض المتوسط، أيضًا. قوات إن لم تشترك في الحرب، فهي قادرة على الأقل، على قطع جسور الإمداد التي سوف يحتاج إليها “حزب الله” في حال اندلعت الحرب الكبرى مع إسرائيل. وهذا بديهي، إذ إنّ الرد على مواجهة إسرائيل ب”تلاحم الساحات” سيكون ب”تعاضد الحلفاء”!
على أيّ حال ، إنّ موقف محمّد رعد، ولو جرى “احتواؤه”، بعدما “فَعَل فِعلَه” في الزمان والمكان المناسبين، يكشف حقيقة واحدة مفادها أنّ الهجوم الممانع العنيف على خالد مشعل الذي سبق أن اتّهم، متوسّلًا كلمات خافتة، “حزب الله” بالتقصير في دعم غزّة، لم يكن هجومًا عاطفيًّا بل كان يهدف إلى إفهام الجميع أنّ حدود تدخّل الحزب في “طوفان الأقصى” سيبقى ضمن “قاعدة القدرة” عنده و”قدرة التحمّل” عند إسرائيل.