"لا تقف متفرجاً"
مقالات الإفتتاحيّةإعرف أكثرالحدثأنتم والحدث

رئيس لبناني ب "التوقيت الصيفي"... أيضًا!

فارس خشّان
الثلاثاء، 28 مارس 2023

رئيس لبناني ب "التوقيت الصيفي"... أيضًا!

ممّا لا شكّ فيه أنّ قرار إرجاء تطبيق التوقيت الصيفي في لبنان حتى انتهاء شهر رمضان المبارك الذي تراجع عنه مجلس الوزراء، أمس لم يكن “حكيمًا”، ولكن، بطبيعة الحال، لم تكن “هبّة الرجل الواحد” التي ميّزت اعتراض المؤسسات السياسية والدينية والتربوية والإقتصاديّة المسيحيّة، “طبيعيّة”، إذ إنّ أيّ قرارات سابقة، وعلى الرغم من أنّها شكّلت خطرًا على البلاد، لم تشهد ما شهدته “انتفاضة الساعة” حيث برز، إلى المواقف الحادة، تمرّد سوف يدخل كتاب التاريخ اللبناني، كما دخل “مانشيتات” الصحف العالميّة.

ولهذا السبب، كان لا بدّ من إجراء جولة هادئة على خلفيات ما حصل مع مخضرمين في السياسة اللبنانيّة وناشطين في كواليسها، للوقوف ليس على الأسباب، فحسب بل على التداعيات المستقبليّة، أيضًا.

وقد تبيّن أنّ أكثر ما سبّب الاستياء المسيحي الذي عاد وشمل، ولكن بهدوء، مرجعيّات سنيّة ودرزية، أنّ هذا القرار، بما له من انعكاسات تقنية سلبيّة معروفة، اتّخذه، بشيء من التفرّد، رئيس مجلس النواب نبيه برّي وخضع له رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.

وبرّي، وفق القاموس اللبناني، يخوض معركة “تهميش” المسيحيّين في الانتخابات الرئاسيّة اللبنانيّة، إذ إنّه يحمل مشروعًا يهدف إلى انتخاب مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجيّة، حتى لو وقفت في وجهه الأكثرية المسيحيّة ككتلة متراصة.

ويتقاسم برّي وميقاتي “الميل نفسه” الى سليمان فرنجيّة، إذ إنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال بكّر في حمل اسم فرنجية، فتبنّاه في الإعلام كما في لقاءاته الخارجيّة ولا سيّما مع الرئاسة الفرنسيّة.

وعليه، فقد شكّل قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي، بعد اجتماع بين برّي وميقاتي، إيحاء بأنّ إدارة البلاد باتت محصورة في تفاهم ممثلي المسلمين في السلطتين التشريعية والتنفيذية، من دون إعارة أيّ اهتمام لجميع المكوّنات الأخرى في البلاد.

ويمكن إضافة “قرار الساعة” على مسألة بارزة أخرى، إذ إنّ اجتماعات حكومة تصريف الأعمال، على قلّتها، تتجاهل “الإعتراض المسيحي” وتتم بمجرّد توصّل برّي وميقاتي إلى تفاهم على جدول الأعمال، بعد مباركة “حزب الله”.

وعلى الرغم من جولات “التطمين” التي يقوم بها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري على القيادات اللبنانيّة عمومًا والمسيحيّة خصوصًا، إلّا أنّ هناك توجّسًا من إمكان أن تتم ترجمة “اتفاق بكين” في لبنان بتحالف إسلامي-إسلامي من شأنه تهميش المكوّن المسيحي.

ولم يعد سرًّا في لبنان أنّ ميقاتي ينشط لدى مجموعة من النوّاب السنّة، من أجل أن يكونوا جاهزين، عند اتخاذ قرار بعقد مجلس النوّاب جلسة انتخابيّة، من أجل التصويت لسليمان فرنجيّة.

وهكذا أصبح قرار تمديد التوقيت الشتوي في لبنان، بالنسبة لغالبيّة المسيحيّين الذين انضمّ إليهم الوسطيّون الدروز والمعترضون السنّة الذين يشكّل الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة رمزًا لهم، أشبه بالتمديد ل”الشتاء القارس” الذي حلّ على لبنان في زمنَي النموذجين المفضلين لدى “حزب الله”: ميشال عون وأميل لحود.

بالنسبة لهؤلاء، وبالإستناد بطبيعة الحال الى أدبيات الأمين العام ل”حزب الله” حسن نصرالله الرئاسيّة، فإنّ سليمان فرنجيّة، هو رمز هذا التمديد!

إنطلاقًا من كل ذلك، وقبل أن يحدث تنفيذ “اتفاق بكين” أيّ مفاجآت لبنانيّة، كانت “انتفاضة الساعة”، وقدّمت للخارج والداخل، نموذجًا للنهج الذي يمكن أن تسلكه شرائح لبنانيّة وازنة، في حال فرض سليمان فرنجيّة رئيسًا للجمهوريّة.

وقبل المخاوف من إمكان حصول هذا الفرض، لم تكن قوى نيابيّة لبنانيّة ترفع شعار تعطيل نصاب مجلس النوّاب، إذ كانت تتقدّم الهجوم الذي يصب حممه على معتمديه، ولكنّها، وفي ضوء كشفها مساعي بلورة “تحالف إسلامي-إسلامي”، إنقلبت على أدبياتها السياسيّة وأعادت سلاح التعطيل الى ترسانة المواجهة.

على أيّ حال، يبدو أنّ “انتفاضة الساعة” دقت “ناقوس الخطر”، فلبنان وصل الى مستوى خطر من الإنقسام الذي من شأنه، في ساعة تخلّ، أن يؤدّي الى صدام كبير، بأبعاد طائفيّة وتقسيميّة، الأمر الذي نشّط الحراك الدولي بدليل الجزء اللبناني من البيان الصادر بعد الإتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان.

ووفق المراقبين، فإنّ الواقعيّة السياسيّة التي كانت، حتى الأمس القريب تخدم ترشيح سليمان فرنجيّة أصبحت “جنونًا سياسيًّا” في ضوء خلاصات “انتفاضة الساعة”، لأنّ إيصال فرنجيّة الى القصر الجمهوري، بات أشبه بقرار وقف العمل بالتوقيت الصيفي، ولذلك، بات واجبًا، إمّا إقناع القوى المسيحيّة ب”سلامة” خيار فرنجيّة، الامر الذي فشل فشلًا ذريعًا، أو الإنتقال الى اختيار شخصيّة أخرى يمكن التوافق عليها، بحيث تكون، بالنسبة لغالبيّة اللبنانيّين، بمثابة توقيت جديد للبنان، وليس مجرّد تمديد لتوقيت قديم يريح أجندة “حزب الله” و”ديناصورات” الطبقة السياسيّة اللبنانيّة.

نشر في “النهار العربي”

المقال السابق
واشنطن: لن نتراجع عن مهمة سوريا

فارس خشّان

كاتب سياسي

مقالات ذات صلة

الخارجية الأميركية تعطي إسرائيل ضوءًا أخضر لشن "هجوم دفاعي" على لبنان

روابط سريعة

للإعلان معناأنتم والحدثالحدثإعرف أكثرمقالات

الشبكات الاجتماعية