منذ وقّع ترسيم الحدود البحريّة مع إسرائيل، ثابر الرئيس السابق ميشال عون على ترداد مقولة ثابتة:” إنتهى زمن الحرب مع إسرائيل”.
وردد عون في أكثر من مقابلة وتصريح، منذ توقيع الإتفاق البحري الكلام الآتي:” إنّ الساحة الجنوبية مستقرة ولن تكون مصدرًا للعنف لا سيّما في ظل وجود القرار 1701 ومع كل ما قمنا به من خلال ترسيم الحدود كي لا تقع الحرب”.
كان عون في تأكيده هذا يستند، وفق ما راح يردد في مجالسه، إلى تأكيدات وصلت إليه من أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي لم يكن عون قادرًا على توقيع الإتفاق من دون موافقته، إذ إنّه هو من أدار المفاوضات مع إسرائيل، من خلف الستارة.
هل أخطأ عون فهم نصرالله وترجم ما قاله له مباشرة ومن خلال الوسطاء، كما يرغب، أم أنّ أمين عام “حزب الله” أبلغه بقرار لا يملك أساسًا ناصيّته، إذ إنّ إدارة المسألة السيادية اللبنانية مرهونة كليًّا للإرادة الإيرانيّة، وهو يؤدّي، واقعيًّا ولو بكثير من النجوميّة، وظيفة الحارس لما كان المرشد الإيراني علي خامنئي قد وصفه بالعمق الإستراتيجي للجمهوريّة الإسلاميّة؟
من الواضح أنّ موقف عون الأخير الذي رفض فيه “وحدة الساحات” و”الحرب من أجل غزة” يؤشر الى “خيبته”، فهو بعدما اتهم، مرارًا، في جلساته الداخلية “حزب الله” بإفشال عهده، يتهمه حاليًّا، بأنّه أفسد ما كان قد وصفه ب” هدية العهد” الى اللبنانيّين، إذ إنّ عون بالغ، بدعم واضح من نصرالله نفسه، في التوصيفات التي أسبغها على اتفاق ترسيم الحدود البحرية، ولم يكتفِ بإعطائه أبعادًا مالية واقتصادية، على قاعدة بيع السمك في البحر، بل ذهب أبعد من ذلك، بحيث استخرج منه استقرارًا نهائيًّا على قاعدة اضطرار جميع أطراف هذا الإتفاق على احترام كامل للقرار 1701.
وبغض النظر عن الخلفيات، فإنّ آخر وعود عون للبنانيّين، أي بدء عصر الإستقرار انطلاقًا من البوابة الجنوبية، قد انتهى هو الآخر الى خدعة!
خدعة لا يمكن أن نحدد من هو صانعها الحقيقي: ميشال عون الذي طالما أخلّ بوعوده وتاجر بشعاراته؟ أم حسن نصرالله الذي تقول وثائق يحيى السنوار إنّه يوزع وعوده يمنة ويسارًا، ويتناساها عند حضور “التاجر الإيراني”؟
ينقل عن ميشال عون قوله إنّه لن يسمح ل”حزب الله” أن يُفسد عليه نهاية حياته، وقد وطأ التسعين من عمره، كما أفسد عليه حلم حياته، وقد خرج من رئاسة الجمهوريّة راميًا لبنان في جحيم ولا أقسى!
قد تكون مواقفه الأخيرة من إلحاق الجنوب بغزة واحتمال توريط لبنان بحرب تدميريّة جديدة، محاولة من عون لنفض، ولو القليل، من غبار “حزب الله” عنه!
إذا أكمل عون السير على طريق نفض غبار “حزب الله” عنه، لن يعيد للبنانيّين ما ساهم في حرمانهم منه، ولكنّه على الأقل يتيح للتاريخ أن يُخفف قليلًا من حكمه الصارم عليه!