سرك يس نعّوم
علّق أحد المسؤولين المهمّين الأربعة في إدارة أميركية تتعاطى مع الخارج المتنوّع وشؤونه وشجونه على ما أشرتُ إليه من مسؤولية الولايات المتحدة عن تجرؤ رئيس روسيا بوتين عليها عبر قضم أراضٍ من حلفاء لها كانوا سابقاً جزءاً من بلاده الاتحاد السوفياتي، قال: “ما تقوله صحيح وحقيقي. لكن بوتين تصرّف مثل الزعيم الألماني النازي هتلر، إذ اجتمع الأخير مع قيادات غير روسية ثم مع زعامات أوروبية شرقية وأسّس “الأنشلوس” بعد ذلك. ربما تكون عند بولونيا القوة والعزم لمواجهة بوتين مستقبلاً”. علّقت: “معتّرة” بولونيا إذ قُسِّمت في تاريخها ثلاث مرات وفي آخر مرة انمحت من الوجود كدولة واختفت عن الخريطة. قال: “بوتين مثل هتلر”.
انتقلت بالحوار الى تركيا رجب طيّب أردوغان. قلتُ إنه ساعةً يريد الحوار مع الرئيس السوري #بشار الأسد، وساعةً يريد السيطرة على شريط حدودي سوري مع بلاده بعمق 30 كيلومتراً ثم يزيد العمق عشرة كيلومترات إضافية. أين أنتم من ذلك كله؟ وما القصة الفعلية لتركيا في الشرق الأوسط وهي جزءٌ مهمٌ منه وفيه؟ أجاب: “رئيس تركيا أردوغان كان يريد قبل الانتخابات الرئاسية في بلاده التي أُجريت قبل نحو سنة أو أكثر بقليل أن يعيد علاقة ما مع رئيس سوريا بشار الأسد لأنه كان يريد ضمان الفوز بالرئاسة على الأرجح. وروسيا كانت تسعى من زمان الى تحسين العلاقة بين الرئيسين المذكورين من خلال استضافتها لقاءات في موسكو وخارجها بين قيادات مخابراتية سورية وتركية. لكنها لم تنجح في تطوير تحركها هذا بحيث يكتمل باجتماع الرئيسين الأسد وأردوغان ويبدآن مرحلة تعاون جديد بينهما. أما أسباب الإخفاق المذكور فمتنوّعة بعضها سوري ويتمثّل بعدم رغبة الأسد في استعادة العلاقة الرسمية مع تركيا وعلى أعلى مستوى في تلك المرحلة علماً بأنها لا تزال مستمرة. أما البعض الآخر لأسباب الإخفاق فروسي، إذ إن لبوتين قوات عسكرية على أرض سوريا ولإيران الإسلامية قوات مباشرة وأخرى حليفة لها على الأرض نفسها. إيران هذه حليفة الأسد ترفض أو بالأحرى لم تبدُ محبّذة عودة علاقة ثابتة وعلى أعلى المستويات بين سوريا وتركيا. أما البعض الأخير من الأسباب فكان انشغال روسيا بحربها على أوكرانيا المحتدمة منذ نحو سنتين ونصف سنة”.
سألت: ماذا عن الرئيس السوري الأسد والمملكة العربية السعودية؟ أجاب مسؤول مهم آخر في الإدارة الأميركية نفسها التي تتعاطى مع الخارج المتنوّع وشؤونه وشجونه: “السعودية فعلت المستحيل من أجل استعادة الرئيس بشار الأسد بل بلاده مقعدها في جامعة الدول العربية أي من أجل عودتها الى العرب. نجحت السعودية في ذلك فعادت سوريا عضواً فيها، لكنها لم تُقدّم شيئاً يريح العرب، إذ استمرت في سياساتها المعارضة لمصالحهم ولكل ما يهمّهم. حاولت الولايات المتحدة إفهام السعودية قبل الخطوة المذكورة أعلاه، إفهامها أن سوريا لا تريد الآن العودة الى الصفّ العربي أو بالأحرى لا تزال غير مؤهلة لذلك أو غير قادرة عليه. إلا أن السعودية أصرّت، فاستعادت سوريا مقعدها في الجامعة العربية وحضر رئيسها بشار الأسد قمّةً عربية عادية ثم لاحقاً قمة عربية – إسلامية مشتركة استضافتها المملكة. كان ذلك بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها “حماس” في 7 أكتوبر الماضي. لكن لم يحصل شيء في القمتين على صعيد إدخال الأسد تغييرات على موقف بلاده من التطورات في المنطقة وخارجها أو بالأحرى تعديلات له. عندها اقتنعت السعودية بأنها ارتكبت خطأً مهماً. أما لماذا فعل الأسد ذلك وربما لا يزال يفعله فلأنه “باقٍ” في موقعه رئيساً لسوريا رغم أنه لا يمون على شيءٍ فيها، إذ هناك روسيا من جهة التي لها جيش في بلاده التي لا تزال في حاجة إليه ولذلك لا يستطيع مخالفتها. وهناك إيران الموجودة على أرض سوريا بقسمٍ غير كبير من جيشها وخبرائها العسكريين، وموجودة أيضاً بواسطة جيش “حزب الله” اللبناني وبميليشيات عسكرية عدة شيعية عربية وغير عربية متمركزة كلها على الأرض السورية. فضلاً عن أن شمال سوريا أو القسم الغربي منه ليس مع النظام الحاكم فيها بل هو مع تركيا ومع “جماعات إرهابية” عدة أبرزها “داعش”. كما أن شمال شرق سوريا ليس معها بل هو تحت سيطرة “قسد” أي قوات سوريا الديموقراطية الكردية – العربية في آن واحد. وهي قوة عسكرية مهمة. فضلاً عن أن أميركا لا تزال في تلك المنطقة بقوات عسكرية لها. وهي لا ترى حاجةً الى الانسحاب منها الآن. طبعاً ضعف كثيراً تنظيم “داعش” عن السابق. لكنه يتحرّك أحياناً وهو لا يزال قادراً على الإيذاء”.
علّقت: بعض داعش يتحرّك بإيحاءات خارجية عند الحاجة لكن لا يؤمَن له في صورة عامة. ردّ: “لذلك يقول الأسد للجميع: أنا في موقعي. ولا أزال رئيس سوريا، ومستمرّ في هذا الموقع. لماذا أُقدم على اتخاذ قرارات أو على تنفيذ أعمال من شأنها إيذاء موقعي وسلطتي وبقائي فيها”. رددت: لكنه ليس الحاكم فعلياً. الحاكمان في “مناطقه” روسيا وإيران. أجاب: “هذا أمرٌ لا يهمّه. ما يهمّه هو البقاء. وهو باقٍ”. علّقت: قيل في أوساط سياسية وديبلوماسية وثيقة الصلة بدمشق وموسكو إن روسيا والأسد كانا يفضّلان إخراج إيران من سوريا أي عسكرها الرسمي على قلّته وخبرائه و”حلفائه”. لكن بعد حرب أوكرانيا ما عاد ذلك ممكناً، إذ ازدادت الحاجة السورية الى إيران عسكرياً كما اقتصادياً ونقدياً. والتمسّك بالانسحاب الإيراني يؤذي فعلاً الأسد ونظامه. ردّ: “ربما صحيح ذلك لكن كما قلت أنت لم يعد ذلك ممكناً بعد حرب أوكرانيا”. ماذا عن الموضوع السوري – اللبناني؟ سألت.
النهار